رأي

الاضطراب النفسي للتمرد ونظرية تجفيف الموارد وقطع الإمداد للقوات المسلحة

عبدالعزيز يعقوب – فلادلفيا

‏ayagoub@gmail.com

(١)
كثيرا ما نسمع بالإضطراب النفسي، ونفهم منه إجمالا أنه خلل نسبي في الأداء العقلي، وأحاول ان أجعله أكثر وضوحا للفائدة العامة ولزيادة مقدرة القارئ على تفسير ووصف بعض الظواهر في سلوك الإنسان وتصرفاته.
الاضطراب النفسي هو حالة نفسية سلبية تؤدي إلى القلق و التوتر أو اي شكل من أشكال الإحباط الشديد وأياً كان شكل الاضطراب النفسي هو طاقة سالبة تؤدي إلى اعتلال التفكير والمزاج، والسلوك والعواطف وسوء التصرف، والاندفاع، واتخاذ قرارات متعجلة. والاضطراب النفسي له كثير من العلامات يمكن ملاحظتها كالحركة الدائمة غير المنتظمة للشخص او لأيٍ من اطرافه، والتفكير المتقطع و المتناثر وغير المرتب، وتغلب على التفكير السلبية وعدم المنطق وفي بعض الاحيان اللاوعي ، أما التوتر علاماته الحركة الدائمة الخوف والتقلب المزاجي بين الغضب والفرح وعدم المقدرة على النوم أو التفكير بالنمط العادي للشخص وعدم المقدرة على الوصول إلى نتائج، أما الاحباط فهو يصيب الشخص بالهزيمة الذاتية والشعور بالدونية وعدم الرغبة في اي نشاطات أو عمل نوعي إيجابي، كما أنه يولد شعوراً واحساساً لدى الشخص بأنه غير مرغوب فيه ولا دور له ويمكن ان يتطور هذا الإحباط ليجعل الانسان يفضل العزلة من المجتمع، أو يصبح معادٍ للمجتمع ويفضل الموت على الحياة، ويقود ذلك إلى الغضب والعنف غير المبرر للآخرين كما يودي إلى استخدام المخدرات والكحول والادمان.
(٢)
الجيوش والأجهزة الأمنية والمؤسسات الاقتصادية وحتى الأندية الرياضية على مستوى العالم تستخدم علم النفس ودراساته في تفسير ظواهر السلوك
أو تعديل السلوك
أو تحفيز السلوك المراد،
وتطورت تطبيقات التحليل السلوكي خصوصا في الحرب النفسية، وفي فن الحماسة للمقاتلين وفي فنون التحقيق والاستجواب والتحري وجمع الادلة وتحليل المعلومات وامكانية قياسها، كما تستخدم هذه التطبيقات في التسويق والعرض للمنتجات وتعديل السلوك الاستهلاكي للفرد والمجتمع وفي ميادين الرياضة لاحباط الخصم عموما وفي الحروب للهزيمة النفسية.
القوات المسلحة السودانية استخدمت بعض هذه التكتيكات.
اولاً : الدفاع الممنهج والحرص على عدم سقوط اياً من الوحدات العسكرية “المدرعات، والهجانة، الاشارة … الخ” برغم ان القوات المتمردة كانت لديها حراسات وقوات ثابتة في كل هذه المواقع الاستراتيجية.
ثانياً : استخدمت القوات المسلحة وسائل الاستدراج والاستنزاف وكبدت قوات التمرد خسائر فادحة في الافراد و الآليات.
ثالثاً : إنتقلت بعدها القوات المسلحة والحكومة إلى عزل المليشيا المتمردة وقطع الإمداد البشري بزيارات وتفاهمات دبلوماسية واستراتيجية مع بعض الدول “الجزائر، النيجر، الصين، تركيا، وايران، ومصر وجنوب السودان.
رابعاً : إنتقلت القوات المسلحة من مرحلة الدفاع والاستنزاف إلى العمل الهجومي على مناطق الإمداد البشري واللوجستي هذا بالإضافة إلى بعض العمليات النوعية التي اثرت على الفزع من خارج حدود السودان.
خامساً : استهدفت القوات المسلحة الإمداد المالي والعسكري واللوجستي من طعام وذخائر على حدود البلاد ومراكز تجنيد وتدريب واسواق منهوبات الحرب بالطيران.
سادساً : زيادة التأمين على الولايات والمدن الآمنة مما جعل قوات التمرد تبحث عن إنتصارات وهمية كما حدث في ود النورة بالجزيرة.
سابعاً : قلة التحفيز “ماديا أو بإمداد بشري أو فكري” ساهم بصورة قوية جداً في زيادة الإحباط وسوف يؤدي إلى هروب جماعي من مناطق العمليات واستسلام في اوساط القوة المتمردة ” مسألة وقت”.
ثامناً : عدم ظهور قيادات الصف الأول للمتمردين في مناطق العمليات بشكل دوري وراتب مقارنة مع قادة القوات المسلحة يقلل من التحفيز المعنوي ويقلل من الحماس وسط جنود التمرد، وهذا يؤدي إلى إتخاذ قرارات خاطئة ومدمرة من القيادات الميدانية بافراغ جام غضبهم على الأسرى والمواطنين مما ينهي اي تعاطف مع الحركة الانقلابية المتمردة.
(٣)
عرب السهل إجمالا في غرب إفريقيا تربطهم علاقات وجذور تاريخية مع حواضن اجتماعية للدعم السريع من وراء الحدود ، ولكن للاسف الشديد جميعهم وقعوا في فخ نصبته المخابرات الفرنسية، واسرائيل ودولة آل نهيان للاسباب الآتية:
اولا: في إفراغ المستعمرات الفرنسية سابقا من الشباب المقاتل والزج بهم في محرقة السودان ليقوم الفرنسيين لاحقاً بتهجير المتبقي منهم في المستعمرات السابقة الي الوطن الجديد لهم في السودان وتخلو غرب إفريقيا بكل ما فيها من خيرات لفرنسا دون أن تكون هناك مقاومة داخلية.
ثانيا جعل السودان خط مقاومة أول لصالح فرنسا ضد الوجود الصيني والروسي في المنطقة.
ثالثا :اضعاف قوة السودان بانتمائه الاسلامي والافريقي العربي لمصلحة إسرائيل في حالة المواجهة الشاملة مع العرب او المواجهة الاقليمية مع مصر.
رابعا : ان تستفيد هذه الدول الثلاث من السودان ارضا ومياه ومعادن وموانئ.
اخيرا على الحواضن الاجتماعية والقوى السياسية التي تدعم القوة الانقلابية المتمردة ان تراجع مواقفها بما يتوافق مع مصالح مجتمعاتها وافرادها واحزابها ويخدم مصلحة السودان شعباً وارضاً ووجود، عندها سيحفظ الشعب السوداني في ذاكرته وفي تاريخ الامة هذه المواقف وليس عيباً “تصحيح الاخطاء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى