اتفقوا على الوصف ولم يسموا الموصوف.. أبرز النقاط التي أثارها المشاركون في جلسة مجلس الأمن
الأحداث – وكالات
على الرغم من اتفاق المتحدثين في جلسة الإحاطة رفيعة المستوى التي عقدها مجلس الأمن الدولي (الثلاثاء) بشأن الوضع في السودان، على إدانة الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في أنحاء متعددة من السودان، إلاّ أن الخلاف بينهم حول طبيعة الخطوة التي يتعين اتخاذها ظل واسعاً.
هؤلاء خاطبوا الجلسة:
ترأس الجلسة وكيل وزارة الخارجية البريطانية للشؤون البرلمانية لأفريقيا، اللورد كولينز أوف هايبري، الذي ترأس بلاده مجلس الأمن لشهر نوفمبر الجاري، وخاطبها بإحاطات كل من وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري دي كارلو، ورئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في جنيف ومدير قسم التنسيق راميش راجاسينغهام، وممثلة عن المجتمع المدني السوداني من دارفور، وشارك السودان بموجب المادة 37 من النظام الداخلي المؤقت للمجلس عبر ممثله الدائم في الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس.
النقاط الرئيسة في الإحاطات
وبرزت من خلال الإحاطات وما خرج به الاجتماع ثلاث نقاط أساسية أولها إدانة اعتداءات مليشيا الدعم السريع على المدنيين تقتيلاً واغتصاباً وتجويعاً و تهجيراً قسرياً، و ثانيهما أن الحاجة جد ماسة للتوصل لوقف لإطلاق النار حتي لا يتدهور الوضع بصورة أسوأ ولإيقاف الفظائع الجارية حالياً، وثالثهما أنه مع الحاجة إلى استمرار الإمداد الإنساني للمتأثرين وبقاء المنافذ التي وافقت الحكومة السودانية على فتحها فإن الوقت غير مناسب الآن للشروع في نشر قوات في أي من المناطق بالبلاد خلافاً لما سعت جهات معلومة لذلك، سواء لحفظ السلام أو لحماية المدنيين، وهو أمر يصعب القيام به في حال لم توافق السلطات السودانية على هذا الأمر، وتيسر حدوثه.
كيف لخص المجلس جلسته:
وقال مجلس الأمن في تلخيص لمداولاته أنه توصل في الإحاطة رفيعة المستوى حول الوضع في السودان إلى أن العنف المتواصل في السودان، والذي استمر لمدة 18 شهرًا، على وشك التفاقم، مما يؤدي إلى تفاقم مستويات انتهاكات حقوق الإنسان وانعدام الأمن الغذائي والنزوح، و لذلك فقد جدد كبار المسؤولين في الأمم المتحدة الذين خاطبوا الجلسة دعواتهم لوقف إطلاق النار الفوري والوصول الإنساني وتجديد الجهود نحو تسوية تفاوضية.
ممثلو المنظمة الدولية: إدانة المليشيا ومَن يدعمهم بالسلاح
حيث قالت روزماري دي كارلو، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، إن الوضع في السودان على مدار الأسبوعين الماضيين “اتسم ببعض من أشد أعمال العنف تطرفًا منذ بدء الصراع”، ووصفت في احاطتها للمجلس ما يجري بأنه “موجة الهجمات” نفذتها مليشيا قوات الدعم السريع في شرق ولاية الجزيرة قُتل فيها عدد كبير من المدنيين، وفقد المزيد من المدنيين منازلهم وأجبروا على الفرار.
وقالت روزماري “إننا نتلقى تقارير عن انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك العنف الجنسي المرتكب بشكل أساسي ضد النساء والفتيات”، وأدانت استمرار هجمات قوات الدعم السريع المتمردة ضد المدنيين، وأكدت الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار وحل سياسي تفاوضي.
وأبدت ملاحظة طريفة ربما منعها الموقع الأممي الراهن و الذي يستوجب الابقاء على شعرة الحياد في مايجري في ولاية الجزيرة و في الفاشر و إن علم العالم كله من وراء هذا العنف، حيث قالت “بصراحة، فإن بعض الحلفاء المزعومين للأطراف يمكّنون من المذابح في السودان. هذا غير مقبول، وهو غير قانوني ويجب أن ينتهي”.
ومن جهته قال راميش راجاسينغام، مدير التنسيق بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، لا توجد أي علامات على حصول هدنة في العنف الوحشي الذي يواجهه الشعب السوداني، محذرًا من التوقعات المقلقة التي تشير في الواقع إلى أن الصراع على وشك التصعيد أكثر. وأشار إلى التقارير الأخيرة عن عمليات القتل الجماعي والعنف الجنسي المروع في ولاية الجزيرة – “السمة المميزة لهذا الصراع”، ولاحظ أن النساء والفتيات ما زلن في قلب معاناة مروعة، مع النزوح والجوع مما يعرضهن لخطر متزايد من العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي والإساءة.
و اشار إلى أن المدنيين استمروا في الفرار من أجل حياتهم داخل السودان وعبر حدوده، في ما أصبح الآن أكبر أزمة نزوح في العالم”، مشيرًا إلى أن أكثر من 11 مليون شخص نزحوا منذ أبريل 2023. وقال إن الصراع أطلق العنان أيضًا لأزمة جوع شديدة، مستشهدًا بتحليل أجراه التصنيف المتكامل لمرحلة الأمن الغذائي في يونيو والذي وجد أن أكثر من 750 ألف شخص يواجهون أعلى مستويات انعدام الأمن الغذائي وظروف المجاعة.
وأضاف أنه في مخيم زمزم للنازحين، حيث تم تأكيد ظروف المجاعة في يوليو، هدد سوء التغذية المتفاقم حياة الآلاف من الأطفال، بينما انتشر انعدام الأمن الغذائي، مع ورود تقارير عن مستويات مثيرة للقلق من الجوع في جنوب كردفان. وحذر من تهديدات الجوع وسوء التغذية والمرض، مؤكداً: “لا أستطيع أن أعبر بما فيه الكفاية عن مدى خطورة هذا الوضع”. مطالباً بأهمية إبقاء جميع الطرق المتاحة، بما في ذلك معبر أدري، مفتوحة للإمدادات الإنسانية والأفراد، وإعادة إنشاء مراكز مشتركة بين الوكالات في المناطق الرئيسية.
المليشيا وسياسة الأرض المحروقة
وإيماءً على حديثه حول زمزم أشارت نعمات أحمدي، مؤسسة ورئيسة مجموعة عمل نساء دارفور، للمجلس إلى سياسة و”تكتيكات الأرض المحروقة” التي طبقتها مليشيا الدعم السريع في عدة مناطق، بما في ذلك الفاشر والجزيرة، مع تطابق تقارير عن عمليات قتل جماعي وقصف عشوائي للمدنيين وتقارير صادمة تفيد بأن “أكثر من 130 امرأة انتحرن جماعياً تجنباً للتعرض إلى المزيد من العنف الجنسي”.
واستشهدت نعمات بتحذيرات الخبراء من الفظائع الجماعية الوشيكة والخطر الحقيقي المتمثل في الإبادة الجماعية في الفاشر، ولفتت الانتباه إلى ما أسمته “أوجه القصور الخطيرة” في تقرير الأمين العام الأخير بشأن خيارات حماية المدنيين في السودان، وخاصة ملاحظته أن نشر قوات حفظ السلام لن ينجح دون وجود سلام للحفاظ عليه.
وأكدت “أود أن أختلف”، مضيفة أن قوات حماية المدنيين التابعة للأمم المتحدة أصبحت ضرورية لخلق بيئة مواتية للسلام، عندما تكون الأطراف المتحاربة غير راغبة في القيام بذلك.
و بعبارة موحية هي الأخرى، وبلغة مواربة تساءلت: مَن هو المجرم الذي يتسبب في تطاول الحرب في السودان حيث أشارت إلى الدعم الخارجي بقولها “إن دعم الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية البترولية “الغنية بالنفط” قد حول الجنجويد، الذين كانوا ذات يوم يمتطون الجمال والخيول، إلى ميليشيات ترتدي الزي الرسمي ومجهزة بأسلحة متطورة.
الدول الأعضاء: إدانة المليشيا، تعددت الأوصاف والموصوف واحد
وفي المناقشة التي تلت ذلك، أجمع أعضاء المجلس تقريباً على الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار وإعطاء الأولوية لحماية المدنيين. ومن بينهم رأى كولينز، وكيل وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية البرلماني في المملكة المتحدة، ورئيس المجلس لشهر نوفمبر، الذي تحدث بصفته ممثلا لبلاده للتأكيد على أن الطريقة الأكثر فعالية لحماية المدنيين هي وقف الأعمال العدائية على الفور. وعلى الرغم من تقييم الأمين العام بأن الظروف غير متوفرة حالياً لنشر قوة تابعة للأمم المتحدة لحماية المدنيين في السودان بشكل فعال، فقد قال: “يتعين علينا أن نبقي هذا الأمر قيد المراجعة ولكننا نتذكر أيضاً أن نشر قوات الأمم المتحدة ليس سوى رافعة واحدة من بين العديد من الروافع”.
ماذا قال العرب والأفارقة؟
واتفق ممثل الجزائر، الذي تحدث أيضاً باسم غيانا وموزمبيق وسيراليون، على أن الأطراف لابد وأن تتفق على وقف إطلاق النار دون مزيد من التأخير. ودعا إلى تعزيز الإرادة السياسية من خلال مبادرات بناء الثقة، وقال إن الجولة الثانية من المحادثات غير المباشرة، التي جرت في يوليو في جنيف، يمكن أن تكون إطاراً مفيداً لبناء الثقة بين الأطراف.
مواقف امريكا والغربيين: إدانة ممارسات المليشيا
وعلى نحو مماثل، قالت مندوبة الولايات المتحدة: “يتعين على كل واحد منا أن يواصل الضغط على الأطراف للعودة إلى طاولة المفاوضات”، مضيفة أن “جميع البلدان يجب أن تتوقف عن تقديم الدعم العسكري للأطراف المتحاربة”. كما انضمت إلى العديد من المتحدثين الآخرين في الدعوة إلى إنشاء آلية لمراقبة الامتثال والتحقق، في أعقاب اتفاق أوسع لوقف الأعمال العدائية، لضمان احترام التزامات القانون الإنساني الدولي والتزامات إعلان جدة وتنفيذها على أرض الواقع.
وأعرب مندوب فرنسا عن دعم بلاده لإنشاء آلية للمراقبة والتحقق، و ربما من المرات القلائل عبر مندوب فرنسا عن “إدانة بلاده للهجمات التي نفذتها قوات الدعم السريع ضد المدنيين في الجزيرة في الأسابيع الأخيرة”، وكذلك جميع الهجمات ضد الأهداف المدنية. وأشاد بالعقوبات الأخيرة التي فرضها المجلس على أثنين من جنرالات مليشيا الدعم السريع ودعا الأطراف المتحاربة إلى التحلي بعقلانية التفكير وتبني المنطق، حيث لا يمكن تحقيق أي نصر عسكري في هذا الصراع.
ودعا ممثل سويسرا إلى تحسين الوضع الإنساني، نظرًا لحجم الاحتياجات “الهائل”. وفي هذا السياق، دعت جميع الأطراف إلى ضمان الوصول السريع والآمن وغير المقيد والمستدام عبر الحدود وخطوط المواجهة.
أعرب مندوب مالطا عن قلقه إزاء زيادة الانتهاكات والتجاوزات ضد الأطفال بنسبة 480 في المائة، وحث الأطراف على إنهاء ومنع جميع الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، بما في ذلك التجنيد والاستخدام في الأعمال العدائية، والقتل والتشويه، والعنف الجنسي والاختطاف، محذرًا من خطر متزايد للإبادة الجماعية.
الآسيويون غير دائمي العضوية : وضوح في الطلب بايقاف الدعم للمتمردين بالسلاح
كما رحب ممثل اليابان بتسمية اثنين من جنرالات الدعم السريع في قائمة العقوبات. وقال “إن التدخل الخارجي الذي يؤجج الصراع يجب أن يتوقف على الفور”، مذكراً الدول الأعضاء والأطراف المعنية بالالتزامات المنصوص عليها في حظر الأسلحة وأن الانتهاكات قد تؤدي إلى تحديد تدابير مستهدفة.
وكان ممثل جمهورية كوريا من بين العديد من المتحدثين الذين أعربوا عن قلقهم إزاء “التدخل الخارجي المدفوع بمصالح الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية”، مشيرًا إلى أنه يجب أن يتوقف على الفور لإنهاء الأعمال العدائية في البلاد. وأشار إلى رفض الأطراف المتحاربة السودانية المستمر للمشاركة بأمانة في المفاوضات المباشرة لأي اتفاق لوقف إطلاق النار، وحث الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية التي يمكنها “التأثير على الحسابات الاستراتيجية” لكلا الطرفين المتحاربين السودانيين على العمل معًا “لإيجاد طريقة لتغيير مشهد الصراع”. كما أكد على الحاجة إلى إبقاء معبر أدري مفتوحًا، وهي النقطة التي كررها مندوبو الإكوادور وسلوفينيا، حيث أكدت الأخيرة: “يجب ألا يتم تسليح الغذاء؛ ويجب ألا يستخدم أبدًا لتعميق معاناة المدنيين”.
روسيا والصين : وضوح المطالب ودعم السودان:
من جانبها، قالت ممثلة الاتحاد الروسي إنه من غير المناسب حاليًا الدفع بصيغ مفاوضات طرف ثالث تستبعد الحكومة أو تتحدث عن وجود الأمم المتحدة أو قوات حفظ السلام الأفريقية، مع الاعتراف بالمجلس السيادي كسلطة عليا. وأشارت إلى أن الوضع الإنساني مأساوي، لكن الحكومة تتخذ الخطوات اللازمة لضمان تقديم المساعدات، مؤكدة على أن الوكالات الإنسانية يجب أن تعمل بالتعاون مع الحكومة.
وأضافت: “من السابق لأوانه الحديث عن خطر المجاعة الوشيكة؛ هناك طعام في البلاد”، مشيرة إلى أن السؤال هو كيف يمكن إيصاله إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.
كما شددت ممثلة الصين على ضرورة بذل جهود مشتركة مع الخرطوم لضمان توفير المساعدات الإنسانية، ورحبت بإجراءات الحكومة لتسهيل الوصول الإنساني والحفاظ على المعابر مفتوحة. ودعا الطرفين إلى “وضع الشعب أولاً”، ومن خلال الحوار، إيجاد حل سياسي، مشيرًا إلى أن أي مقترحات مفروضة من “مصلحة سياسية أنانية” لن تؤدي إلا إلى تفاقم الاضطرابات.
ممثل السودان ..وختامه
وفي ختام الاجتماع، وصف ممثل السودان الصراع بأنه حرب عدوانية يشنها الإرهابيون وحلفاؤهم الإقليميون الذين يزودونهم بالأسلحة والدعم السياسي، وأكد على الحاجة الملحة إلى آلية وطنية لحماية المدنيين، وسط الهجمات الوحشية التي تشنها ميليشيا الدعم السريع، بما في ذلك الهجمات الانتقامية المنهجية التي نفذت في ولاية الجزيرة ردًا على انشقاق أحد قادة قوات الدعم السريع وانضمامه إلى القوات المسلحة السودانية. وندد بقتل المدنيين ونهب وتشريد مئات القرى، ودعا الإمارات العربية المتحدة إلى وقف إمدادها بالأسلحة كما دعا المجلس إلى تصنيف قوات الدعم السريع كجماعة إرهابية عنصرية.
وواصل تسليط الضوء على تعاون حكومته مع الجهود الدبلوماسية الجارية، بما في ذلك جهود الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، وجهودها لتسهيل توصيل المساعدات. ومع ذلك، كرر قلقه بشأن دخول الشاحنات التي تحمل أسلحة ومدفعية ومرتزقة عبر معبر أدري، داعيًا الوكالات الإنسانية والأمم المتحدة إلى منع إساءة استخدام المعبر من قبل الميليشيات. ودعا إلى تفعيل آلية لتنفيذ إعلان جدة، وإعداد خطة متعددة الأطراف لحماية المدنيين تعتمد على تقديم الدعم الفني، وليس التدخل الخارجي.
نقلا عن موقع “المحقق” الإخباري