اتفاقية عنتيبي.. كشف أسباب معارضة السودان ومصر
الأحداث – وكالات
من جديد تطل أزمة اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل (عنتيبي) برأسها مع دخولها حيز التنفيذ، اعتبارا من الأحد الماضي، حيث يلقي الرفض الشديد لدولتي مصر والسودان الانضمام للمعاهدة بظلاله الكثيفة على مصيرها المشوب بالغموض.
وصادقت على الاتفاقية 5 دول هي إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وكينيا، ثم دولة جنوب السودان في الثامن من يوليو الماضي، لتكون الدولة السادسة، وبالتالي مكملة لثلثي دول الحوض بما يمهد لتنفيذ الاتفاقية، التي ابتعدت عنها الكونغو ومصر والسودان وبوروندي وإريتريا.
وتنص المادة 43 من الاتفاقية على دخولها مضمار التنفيذ في اليوم الـ60، الذي يلي إيداع وثيقة التصديق لدى الاتحاد الأفريقي.
1/ كيف نشأت الاتفاقية؟
تم التفاوض حول اتفاقية عنتيبي تحت رعاية مبادرة حوض النيل، واعتمدها مجلس وزراء الحوض في 22 مايو 2009، وهي مستوحاة من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون استخدام المجاري المائية في الأغراض غير الملاحية، وانضمت دولة جنوب السودان، في يوليو الماضي، إليها وهي الخطوة التي مهدت دخولها حيز التنفيذ، وبالتالي تأسيس مفوضية حوض نهر النيل.
2/ ماذا يعني تسليم الاتفاقية إلى الاتحاد الأفريقي؟
في التاسع من سبتمبر الماضي، سلمت إثيوبيا رسميا اتفاقية (عنتيبي) إلى الاتحاد الأفريقي؛ تمهيدا لدخولها حيز التنفيذ وإنشاء مفوضية حوض نهر النيل، وتم الكشف عن هذه الخطوة في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، بعث بها وزير الخارجية الإثيوبي تايي أصق سيلاسي جاء فيها: “إثيوبيا تود إبلاغ أعضاء المجلس بإيداع الاتفاقية لدى مفوضية الاتحاد، مما سيسهل دخولها حيز التنفيذ وإنشاء المفوضية التي ستتولى تنسيق تنفيذ اتفاقية الإطار الشامل”، واعتبر أن الاتفاقية أول إطار قانوني على مستوى دول الحوض، يمكن أن يعزز التعاون بين الدول المتشاطئة من أجل الرخاء المشترك لشعوب الحوض.
3/ ما أسباب معارضة السودان ومصر؟
يشرح الخبير في القانون الدولي فيصل عبد الرحمن علي طه أسباب الخلاف حول الاتفاقية قائلا إنها لم تكن تحظى بقبول دولتي أسفل النهر (مصر والسودان)، جراء تحفظهما على المادة 14 (ب) المتعلقة بالأمن المائي.
ويوضح للجزيرة نت أن مصر اقترحت صيغة بديلة لهذه المادة تنص على عدم التأثير سلبا على الأمن الغذائي والاستخدامات والحقوق المائية الأخرى لأي من دول حوض النيل.
ويضيف “المادة مثار الخلاف كانت تهدف لتأكيد الأهمية القانونية لمبدأ الأمن المائي، لكنها فجرت خلافا أعاد الجميع إلى نقطة البداية”.
ووفقا للخبير القانوني، يتمحور التباين حول الوضع القانوني لاتفاقيتي 1929 و1959، والحصص التي ترتبت لمصر والسودان بمقتضاهما.
4/ ما المساعي التي بُذلت لرأب الصدع بين دول حوض النيل؟
توالت الاجتماعات خلال السنوات الماضية للوصول إلى صيغة توافقية حول هذه المادة، لكنها -حسب عبد الرحمن- لم تحرز تقدما، ليقرر الاجتماع الاستثنائي للمجلس الوزاري الذي عُقد في كينشاسا في 22 مايو/ 2009 إلحاقها بالاتفاقية، على أن يتم البت فيها بواسطة مفوضية حوض النيل خلال 6 أشهر من إنشائها. ويردف “بالفعل تظهر المادة في الاتفاقية كملحق”.
ولا يستبعد المتحدث أن يستعصي حل الخلاف حول المادة 14 (ب)، وتستمر الاتفاقية بدون السودان ومصر. ويتابع “إذا حدث وطال بقاؤهما خارج الاتفاقية، فلن يتحقق هدف إقامة إطار تعاوني ومؤسسي لإدارة حوض النيل على أساس مبادئ مقبولة لكل دول الحوض، لأن مصر والسودان الأكثر حاجة لمياه النيل، والأكثر استخداما لها من أي دولة أخرى مشاطئة”.
5/ كيف يبدو الموقف الإثيوبي من الاتفاقية؟
تتخذ إثيوبيا موقفا مؤيدا لاتفاقية عنتيبي، يمكن قراءته مع خلافها المحتدم مع السودان ومصر حول سد النهضة، الذي تعارضه الدولتان. وطالبت الخرطوم والقاهرة منذ سنوات بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل السد، خاصة في أوقات الجفاف، لضمان استمرار تدفق حصتهما من مياه نهر النيل.
وتظهر الخلافات بشكل قوي حول السد بين إثيوبيا ومصر، حيث تقول أديس أبابا إن القاهرة تبني مشروعات متعددة على نهر النيل دون دراسة تقييم أثر، مع تجاهل مطلق لحقوق الدول الأخرى المطلة على النهر.
في حين تتهم القاهرة أديس أبابا بتنفيذ سياسات أحادية الجانب تخالف قواعد ومبادئ القانون الدولي، في وقت يطالب فيه السودان بالتنسيق المسبق قبل البدء في عمليات الملء وفتح البوابات منعا لتضرر أراضيه وغمرها، حيث يقع سد النهضة على بعد كيلومترات من خزان الروصيرص بإقليم النيل الأزرق المحاذي لإثيوبيا.
وتعليقا على دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ، غرد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على منصة إكس، الأحد، قائلا “إن 13 أكتوبر 2024 يمثل تتويجا لرحلة طويلة نحو الاستخدام العادل والمعقول لمياه النيل، سيُذكر هذا اليوم باعتباره معلما تاريخيا في جهودنا الجماعية لتعزيز التعاون الحقيقي في حوض النيل”. ودعا آبي أحمد الدول غير الموقعة إلى الانضمام إلى “عائلة النيل، للتمكن معا من تحقيق أهدافنا المشتركة في التنمية والتكامل الإقليمي”.
6/ ما فرص السودان ومصر في التعامل مع واقع عنتيبي الجديد وإمكانية تعديل الحصص؟
تتخوف كل من مصر والسودان من إقامة دول المنبع مشروعات تستهلك كميات كبيرة من المياه بما يؤثر على حصصهما التاريخية، حيث تغلق اتفاقية عنتيبي الباب أمام أي مفاوضات ممكنة حيال هذه الحصص، لذلك جددتا موقفهما المعارض للمعاهدة بعد اجتماعات عقدتها الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل يومي 11 و12 أكتوبر الجاري.
وفي بيان عقب الاجتماع، جددت الدولتان التأكيد أن اتفاقية عنتيبي ليست ملزمة لهما كليا، وأن مفوضية الدول الـ6 الناشئة عن الاتفاق الإطاري غير المكتمل لا تمثل حوض النيل في أي حال من الأحوال، ودعتا دول الحوض لإعادة اللحمة، وعدم اتخاذ إجراءات أحادية تسهم في الانقسام بين دول المنابع ودول المصب.
وفي حديث للجزيرة نت، يعتقد الخبير القانوني والمحامي السوداني حاتم السنهوري أن المساس باتفاقية 1959، هو ما أغضب مصر والسودان، حيث كانت الاتفاقية -التي وُقعت قبل استقلال دول مثل كينيا– تنص على حصول القاهرة على نحو 55 مليار متر مكعب، والخرطوم على 18.5 مليار متر مكعب و”هو نصيب مجحف”، برأيه.
وحسب السنهوري، فإن التكريس والتمترس خلف المسائل والحقوق التاريخية يُعد ضد القانون الدولي، وضد الاتفاقيات التي تتحدث عن الاستخدام العادل لثروات وموارد الدول ذات السيادة.
7/ هل يمكن إلزام مصر والسودان بالاتفاقية رغم امتناعهما عن الانضمام إليها؟
يرى الخبير السنهوري أن الصراع الحالي له جانب قانوني يتحدث عن سيادة الدولة في استغلال مواردها، ومن بينها ترسيم حدود النيل، ويعتقد أن السودان ومصر أمامهما الآن المفوضية التي تمثل الطرف المعني -بعد توقيع جنوب السودان- وهي ملزمة بمراجعة الاتفاقيات وحث الدول الأخرى على الانضمام إليها.