تقارير

إعلان كمبالا: محاولة أفريقية لإعادة تعريف حرب السودان

أولًا: الخلفية السياسية

منذ اندلاع الحرب في السودان، سادت في الأوساط الدولية سردية تختزل الصراع في كونه نزاعًا داخليًا بين طرفين عسكريين. غير أن تطور مسار الحرب، واتساع نطاق التدخلات الإقليمية، وتدفق المرتزقة والسلاح عبر الحدود، دفع فاعلين أفارقة إلى إعادة توصيف الأزمة بوصفها حربًا ذات طابع إقليمي ودولي.

في هذا السياق، جاء إعلان كمبالا كمحاولة أفريقية منظمة لكسر هذه السردية، ونقل توصيف الحرب من الإطار المحلي الضيق إلى إطار العدوان الخارجي والاختراق السيادي، بما يحمّل أطرافًا إقليمية مسؤولية مباشرة عن استمرار الصراع.

ثانيًا: جوهر الإعلان ومضامينه

يرتكز الإعلان على ثلاث أفكار مركزية:

1.الحرب ليست أهلية:

يؤكد الإعلان أن الصراع في السودان هو نتيجة غزو غير مباشر تقوده قوى خارجية عبر مليشيات مرتزقة تضم مقاتلين من أكثر من 17 دولة.

2.تفكيك الدولة عبر المليشيات:

يرى الموقعون أن عسكرة الاقتصاد وتطبيع وجود المليشيات، خصوصًا قوات الدعم السريع، أدى إلى انهيار مؤسسات الدولة وتحويل السودان إلى فضاء للفوضى العابرة للحدود.

3.الإمارات كفاعل محوري:

يذهب الإعلان إلى تحميل الإمارات مسؤولية مركزية في تمويل وتسليح وتجنيد ونقل المقاتلين، معتبرًا ذلك تدخلًا عدائيًا مباشرًا يرقى إلى مستوى انتهاك سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة.

ثالثًا: البعد الإنساني والحقوقي

يفرد إعلان كمبالا مساحة واسعة للانتهاكات، مشيرًا إلى:

•جرائم إبادة جماعية في دارفور (الجنينة، الفاشر).

•تطهير عرقي وعنف جنسي ممنهج.

•تدمير القاعدة الإنتاجية وتحويل الاقتصاد إلى اقتصاد حرب ونهب.

ويطالب الإعلان بإحالة المسؤولين عن هذه الجرائم إلى آليات العدالة الدولية، مع التركيز على تفكيك شبكات تمويل الحرب.

رابعًا: الرسائل الإقليمية والدولية

يحمل الإعلان رسائل واضحة:

•إلى الاتحاد الأفريقي: ضرورة قيادة مسار وساطة أفريقي مستقل، دون وصاية خارجية.

•إلى مجلس الأمن: وقف سياسة الصمت، والانتقال من إدارة الأزمة إلى محاسبة الفاعلين الخارجيين.

•إلى الشعوب الأفريقية: أن ما يحدث في السودان اليوم قد يتكرر في دول أخرى إذا لم يُواجَه بشكل جماعي.

خامسًا: دلالات الإعلان

يمثل إعلان كمبالا:

•تحولًا في الخطاب الأفريقي من الحياد السلبي إلى التسمية المباشرة للأطراف المتدخلة.

•أرضية سياسية وحقوقية يمكن البناء عليها في حملات الضغط الدولية.

•مؤشرًا على تنامي وعي أفريقي بخطر الحروب بالوكالة على سيادة الدول.

خلاصة

لا يقدم إعلان كمبالا حلًا فوريًا للحرب، لكنه يعيد تعريف المشكلة: من أزمة داخلية إلى قضية سيادة أفريقية. وفي هذا التحول تكمن أهميته السياسية، إذ يضع التدخلات الخارجية – لا توازنات الداخل وحدها – في قلب النقاش حول مستقبل السودان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى