أقليم بني شنقول…أصداء من تاريخ قريب 2

امين حسن عمر
وإذ نذكر إتفاقية1902 وكيف أصبحت اليوم حجر الزاوية في الجدال القانوني والسياسي حول سد النهضة ومستقبل المنطقةنستعيد بنودها :
أولاً:
نصوص اتفاقية 1902 (اتفاقية أديس أبابا)
تم توقيع هذه المعاهدة في 15 مايو 1902 بين بريطانيا (نيابة عن السودان) والإمبراطور الإثيوبي منليك الثاني. أهم بنودها التي تثير الجدل اليوم هي:
المادة الأولى والثانية (ترسيم الحدود): حددت هذه المواد الحدود بين إثيوبيا والسودان، وبموجبها تم ضم إقليم بني شنقول رسمياً إلى إثيوبيا بعد أن كان يتبع للسودان (سلطنة الفونج والعهد التركي).
المادة الثالثة (المياه): هي المادة الأخطر، وتنص حرفياً على:
”يتعهد الإمبراطور منليك الثاني بألا يبني أو يسمح ببناء أي أشغال على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط، من شأنها أن تعترض سريان مياهها إلى النيل، إلا بالاتفاق مع حكومة جلالة الملكة البريطانية وحكومة السودان.”
ثانياً:
التأثير على ملف “سد النهضة” الحالي
يرتبط إقليم بني شنقول بسد النهضة ارتباطاً عضوياً، حيث يقع السد في قلب هذا الإقليم على بعد كيلومترات قليلة من الحدود السودانية. ومن هنا تبرز النقاط التالية:
المنحة مقابل النيل:
يرى قانونيون وسياسيون في السودان ومصر أن السيادة الإثيوبية على إقليم بني شنقول هي “سيادة مشروطة”. فبما أن إثيوبيا حصلت على الأرض بموجب اتفاقية تمنعها من اعتراض مياه النيل، فإن التصرف منفردة في بناء سد النهضة (الذي يتحكم في تدفق المياه) يُعتبر خرقاً للاتفاقية التي منحتها الأرض أصلاً.
الموقف الإثيوبي:
ترفض إثيوبيا هذا التفسير، وتعتبر أن اتفاقية 1902 “اتفاقية استعمارية” لم تكن إرادة الشعب الإثيوبي طرفاً فيها، وتجادل بأنها تمنع “الاعتراض التام” للمياه ولا تمنع “الاستخدام العادل” لتوليد الكهرباء.
الموقف السوداني:
يجد السودان نفسه في وضع معقد؛ فهو من جهة يطالب باحترام الاتفاقيات التاريخية لضمان تدفق المياه، ومن جهة أخرى يدرك أن المطالبة بعودة الإقليم (بني شنقول) للسودان ربما يبدو أمرا غير واقعي سياسياً حالياً، لكن الاتفاقيةورقة مساومة و ضغط قانونية قوية ذلك أنك لا تستطيع أن ترفض الإلتزام ببعض شروطها والتي هي ترسيم الحدود وترفض الجزء الآخر المتعلق بالإلتزامات الأخرى .
ثالثاً:
التداخل القبلي كعنصر أزمة أو حل
بسبب بقاء قبائل (البرتا والقمز) في الإقليم، يظل سببا
للنزاعات الحدودية وأيما توتر في العلاقة بين الخرطوم وأديس أبابا ينعكس فوراً على استقرار هذا الإقليم، حيث تنشط في الإقليم حركات مسلحة بينما يرى سودانيون من القبائل المشتركة أن معاناة هذه القبائل (التي هي امتداد لأهلهم) تهمهم بشكل مباشر.
سد النهضة والأمن المائي:
وجود السد في إقليم ذو الغالبية السكانية التي لها جذور سودانية يجعل من الصعب على إثيوبيا تجاهل المصالح السودانية بشكل كامل، فالسكان المحليون يعتمدون في تجارتهم وحياتهم على الحدود المفتوحة مع السودان إما إن ذهبت أثيوبيا لإستعداء السودان وتهديد ترابه الوطني فيجديها أن تعلم أن تمسك السودان بإعادة أرضه أمر في الحسبان طالما أن المنطق لديها في عدم الإعتراف ببعض بنودها أنها اتفاقية عقدها الإستعمار رغم أن أثيوبيا لم تكن مستعمرة حينذاك ووقع عنها الإمبراطور منليك.. وتزعم اثيوبيا ان حصولها على بني شنقول كان مقايضة مع الفشقة وليس ذلك بصحيح فمجرد تزامن إعتراف ملنليك بتبعية الفشقة للسودان في ذات اتفاقية ترسيم الحدود لا يعني كبير شيء والاتفاقية منحت أثيوبيا أيضا أجزاء أخرى حدودية كانت تاريخيا تابعة للسودان.
الخلاصة القانونية
في القانون الدولي، هناك مبدأ يسمى “توارث المعاهدات”، حيث تلتزم الدول بالحدود التي رسمتها المعاهدات السابقة. ومن هنا تكمن قوة موقف السودان؛ فإذا أرادت إثيوبيا التمسك بحدودها الحالية (التي تشمل بني شنقول)، فعليها نظرياً الالتزام بالبند المائي في نفس الاتفاقية التي رسمت من أجله تلك الحدود.
نواصل



