تقارير

أبوبكر محمد أحمد إبراهيم يكتب: نصف رأي في الدبلوماسية

يبدو لي، كمراقب، أن إيقاع العمل الدبلوماسي القائم تقليديا على منهجية المصالح المدروسة قد اربكته المواقف السياسية المتصلبة بفضل آلة إعلامية وهيجان شعبوي غيب المؤسسية في اتخاذ القرارات. (حتى أمريكا ترامب لم تنج منها، أما سوداننا فكاد يحترق من نيرانها).

إمساك القيادة العسكرية بملفات السيادة بجانب قيادة معركة وجودية عظيمة الأثر كهذه التي دخلت شهرها الثالث لن يؤثر – فحسب – على تراخي الأداء الحكومي الروتيني لوزارة الخارجية، أو غيرها من الوزارات، بل يمكن أن يؤدي لفشل الدولة السودانية ذاتها لا قدر الله.

إن جاز لي أن أدلي بنصف رأي في الشأن الدبلوماسي، أقول إن خطورة الملف الخارجي أنه تحدي وفرصة في نفس الوقت. وتفصيل ذلك أن مساعي تحييد دول الجوار والإقليم تستهدف نصرة فصيل سياسي يرى في الجيش مؤسسة مختطفة لصالح نده السياسي. وللأسف، الإعلام عوض أن يفضح خطأ هذه السردية نجده يغرق في خطابات استقطاب تعزز تلك السردية، وهي عند بعضهم مسلمة، وهذا بدوره يعقد على “أصدقاء السودان” مهمة فهم الأزمة السودانية في كافة أبعادها فهماً صحيحاً. بالإضافة لهذه الملاحظة، فإن دخول بعض السياسيين من أصحاب الأجندة الحزبية الضيقة في خط التواصل المباشر مع دول الإقليم والدول الغربية، متجاوزين مؤسسات الدولة، أسهم بدوره سلباً في مزيد من الإرباك.

والحال كذلك فإن مشكلتنا مزدوجة: ضعف في أداء الدولة وغياب لمراكز التفكير الوطنية، ومع ذلك لا بد أن تسهم مجموعة وطنية (تمثل عقلاء الطيف السياسي) في ملء هذا الفراغ. ومحاصرة ظاهرة “التسول الدبلوماسي/الخارجي”، لا خيار آخر.

استمعت في أكثر من مناسبة لفكرة مفادها أهمية بلورة رؤية –يجب أن يشتغل عليها فريق وطني مقتدر- تراهن على دور للملكة العربية السعودية في اسناد خارطة طريق لحل أزمة الحرب بأبعادها الأمنية والسياسية والاقتصادية. المملكة، كما هو معلوم، اختطت طريقها في التقارب مع إيران بوساطة الصين-ذات العلاقة الجيدة مع السودان، ويربطنا مع السعودية البحر الأحمر، وأمنه يعنينا ويعنيها، وهي –في الأرجح- مؤهلة لقيادة وساطة تربح/لا تخسر فيها الأطراف ذات الحضور المؤثر في الشأن السوداني. السعودية كذلك يمكن -إن أرادت- أن تدشن مشاريع شراكات اقتصادية بينها والسودان ودول أخرى (نحتاج مقاربة تنموية لمشاريع استثمارية حقيقية لا حبر على ورق!). صحيح لم تثمر مفاوضات جدة شيئاً يبشر بمثل هذه التوقعات بعد، والسبب أن المفاوضات سقفها المساعدات الإنسانية وليس من أجندتها الازمة السياسية، كما أن بلورة تلك الرؤية (من الفريق الوطني المقتدر) لم تتوفر بعد.

نحتاج من يساهم في إنضاج هذه الفكرة والتبشير بها، والله الموفق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى