رأي

أبو فانوس فى دروب السياسة!! [1]

محجوب فضل بدرى

أبوفانوس،أو أبولمبة، شخصيةٌ متوهمةٌ رسخت لدىٰ بعض من يَسْرَون ليلاً، في الصحارىٰ والوِهاد، في بلادنا الواسعة، ولا يختلف الرواة في تفاصيل رواياتهم كثيراً، بل تكاد أن تتطابق فيقول الراوي أنه عندما كان يسير رأى ضَوْأً خافتاً يظهر ويختفي، فيظنً أنه ينبعث من بيت أو اِستراحة، ويتوجه نحو مصدر الضوء فلا يجد شيئاً، ويجد نفسه وقد حَادَ عن الطريق، كَسَرابٍ بِقِيعةٍ يَحْسَبَهُ الظَمْآنُ ماءً حتىٰ اِذا جَاءه لَمْ يَجِدَهُ شَيئاً، ولربما يتوه المسافر عن الطريق فيلقىٰ حتفه عَطَشاً.

تُرَىٰ كم من السياسيين عندنا قد تراءىٰ له أبوفانوس!!

فقد تراءى لمحمد أحمد عبد الله فحل اِنه المهدى المُنتظر الذى يظهر آخر الزمانِ فَيملأ الأرْضَ عدلاً كما مُلِئَت جُوراً وظُلماً، وقاد ثورته التى طرد بها التُرُك، بعدما أثخن فيهم وبذل الأنصار أرواحهم رخيصةً فى شَانَ اللهْ، وقضى المهدى نحبه قبل أن يملأ مقدار مِفْحَصِ قطاةٍ عدلاً !!

وتراءى أبوفانوس مجدداً لعبد الله محمد تورشين، ليلعب دور الخليفة بعد رحيل محمد أحمد عبدالله فحل، وزعم أنه يلتقي بالنبىِّ صلَّ اللهُ عليه وسلم كفاحاً، ومناماً، فاذا أصبح أصدر فرماناته القاسية، تحت مظلة أوهام أبوفانوس وبدون اِفتئات أو تَجَنٍّ، نورد بضعة أسطر من منشور الشَعَرة، وهو منشور طويل، من كتاب منشورات المهدية للبروفسير محمد ابراهيم أبوسليم، وبعد الصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم، ورواية عن الحضرة العظيمة التي حصلت بين اليقظة والمنام ومبايعة الجن له!! يقول ود تورشين:

ثم حضر النبي الخضر عليه السلام وصلى على فروتي ركعتين، وأنا أسمع فى قراءته فتحققتُ اِن ما تقدم حقيقةً وصدقاً، وقال لى ربك يقريك السلام والملائكة يقروك السلام، والنبى (صلعم) يُقريك السلام والمهدى عليه السلام يُقريك السلام ويقول لك: بارك الله فيما صنعته فى الدين.ويقول الخضر عليه السلام اِن الله أخبر جبريل، وجبريل عليه السلام أخبر النبىّ والنبىّ(صلعم) أخبر المهدى، والمهدى أخبرني أنا بأن أخبرك بأن الله جعلك هدية فى الأرض من مشرقها إلى مغربها!! ،،ألخ

ثم سألت الخضر عن سبب اِنقطاعه منى منذ أن انتقل المهدى عليه السلام، فقال لى: كنت غافراً على شَعَرة من شَعَر المهدى أَمَّنَها لأحمد سليمان،وأنا أخشى أن تقع منه فى الهبوب أو تقع منه فى محل وِسـِخ وتروح فيه،فلم أزل مَغَفِّر عليها ليلاً ونهاراً وبعد أن بلعتها أنت أمس استرحت أنا،،

وكيفية هذه الشعرة أنها كانت طرف الحبيب أحمد ود سليمان جاعلها فى ورقة لافِّيها وأنه بيوم الاثنين أمس الموافق 27 ذو القعدة،أن الحبيب أحمد ود سليمان من محبته لنا الخير أراد أن يكشفها لنا من الورقة للتبرك بها، فلما حضرنا بها قبل اِنكشافها شممتُ رائحةً عجيبةً وأول ما بدا لى رأس الشعرة حصل لى اِنشراح بقلبى وشيئاً لا يعلمه إلا الله فتناولتها وقصدت أن أشمها فأراد الله أن أدخلها فمى وابتلعتها حينئذ فطلبها الحبيب المذكور ففتحت له فمي فلم يجدها، ولله الحمد على ذلك.

وهذا تفصيل اِبتلاع الشعرة والسلام

28 ذوالقعدة 9/سبتمبر 1885م

وهكذا يظهر أبوفانوس فى درب السياسة ولا نريد أن نطلق النعوت الأخرى، ولكن لنا أن نسخر من عقولنا التى جازت عليها هذه الترهات فأصبحنا ضحايا لها قبل أن نسخر من الآخرين الذين أطلقوها في مواجهتنا، وأصبحت – ويا للسخرية- تاريخنا الذى نعتز به!!

نقلا عن “المحقق”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى