تقارير

“الانتقام ليس سياسة”: إسرائيليون يعارضون الحرب في غزة

وكالات: إيزابيل كيرشنر

لطالما ترددت مشاعر الاشمئزاز من الحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل على غزة في عواصم العالم وحرم الجامعات في الخارج. واليوم، بدأ عدد متزايد من الإسرائيليين يرفعون أصواتهم ضد ما يصفونه بأنه فظائع تُرتكب باسمهم في القطاع الفلسطيني.

يُرفع المحتجون الإسرائيليون صور أطفال فلسطينيين قُتلوا في غزة. ويشن أكاديميون ومؤلفون وساسة وقادة عسكريون متقاعدون انتقادات لاذعة للحكومة الإسرائيلية، متهمين إياها بالقتل العشوائي وارتكاب جرائم حرب.

في الأشهر الأولى من الحرب، رأى غالبية الإسرائيليين الهجوم على غزة ردًا مبررًا وضروريًا على الهجوم الدامي الذي قادته حماس في 7 أكتوبر 2023، حتى وإن شككوا في إمكانية تحقيق هدف الحكومة المعلن بالقضاء على حماس، وفقًا لاستطلاعات الرأي.

ومع ذلك، أظهرت الاستطلاعات أن غالبية الإسرائيليين أرادوا منذ فترة طويلة التوصل إلى صفقة تنهي الحرب مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن المحتجزين في غزة، وتخفيف العبء عن الجنود الذين أنهكتهم أشهر من القتال العنيف.

لكن في الأشهر الأخيرة، بدأت أقلية صغيرة ولكنها أكثر جهرًا تطلق نداءات مفعمة بالألم لإنهاء الحرب لأسباب أخلاقية — حتى وإن لم يكن كثير من الإسرائيليين على دراية بوجود مثل هذه الاحتجاجات.

يقول كثير من هؤلاء إنهم دعموا في البداية حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد هجوم حماس، لكنهم يرون الآن أن ما يحدث تجاوز الحدود ويتعارض مع قيمهم.

قالت تمار باروش، 56 عامًا، محاضرة في علم الاجتماع في كلية سابير جنوب إسرائيل، خلال مظاهرة مناهضة للحرب عند مفترق شعاري هنيغيف القريب من حدود غزة:

«نحن على حافة الهاوية… الانتقام ليس سياسة. كان بإمكاننا خوض حرب أذكى».

في البداية، كانت أصوات المعارضين للحرب تُسمع فقط في هوامش المجتمع الإسرائيلي.

قُتل نحو 1200 شخص — معظمهم مدنيون — على يد مهاجمين فلسطينيين خلال هجوم أكتوبر، في أكثر الأيام دموية في تاريخ إسرائيل، وأُسر نحو 250 شخصًا. وعليه، حمّل كثير من الإسرائيليين حماس وحدها مسؤولية المعاناة التي تلت في غزة، وشعروا بقليل من التعاطف مع المدنيين هناك.

لكن منذ ذلك الحين، قُتل نحو 60,000 فلسطيني في الحرب، وفقًا لمسؤولي الصحة في غزة، الذين لا يميزون في أعدادهم بين المقاتلين والمدنيين، ويشملون أكثر من 10,000 طفل. وقد تسببت الحرب في تهجير معظم سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة عدة مرات، ودفعت القطاع إلى شفا المجاعة، حيث توفي أكثر من 80 طفلًا بسبب الجوع وسوء التغذية.

رغم الأزمة الإنسانية، أظهر استطلاع أجراه معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب في مايو أن 64.5٪ من الجمهور الإسرائيلي «غير مهتمين إطلاقًا أو ليسوا مهتمين جدًا» بالوضع الإنساني في غزة.

ووفقًا لاستطلاع آخر أعده المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، رأى نحو ثلاثة أرباع اليهود الإسرائيليين أنه لا ينبغي للجيش الإسرائيلي أن يأخذ معاناة المدنيين الفلسطينيين في غزة في الحسبان، أو أن يأخذها بعين الاعتبار بشكل ضئيل فقط. ومع ذلك، قال المعهد إن هناك زيادة طفيفة في عدد من يرون أنه ينبغي أخذ المعاناة المدنية بالحسبان بدرجة أكبر، يقابلها انخفاض مماثل في نسبة غير المكترثين.

وقد انعكس هذا التحول في تصاعد القلق والنشاط السياسي في أوساط المعسكر الليبرالي في إسرائيل.

قال لي موردخاي، أستاذ التاريخ في الجامعة العبرية بالقدس، والذي وثّق الحرب ويعتقد أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة — وهو اتهام ترفضه الحكومة الإسرائيلية بشدة:

«هناك تحول واضح في الخطاب… لا يزال هناك أزمة داخل معسكر السلام بشأن ما يمكن وما لا يمكن قوله، لكن الناس باتوا يتحدثون أكثر».

كان يتحدث خلال وقفة احتجاجية صامتة في نهاية مايو، نظّمها عشرات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في الحرم الجامعي للجامعة العبرية، حاملين صور أطفال قُتلوا في غزة. وقد جرت احتجاجات مماثلة في جامعة تل أبيب وجامعات أخرى.

رفع بعض الشخصيات البارزة في إسرائيل أصواتهم كذلك. فقد أدان رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت ما وصفه بـ«القتل الوحشي والإجرامي للمدنيين» وتجويع غزة كسياسة حكومية. فيما حذّر موشيه يعالون، الرئيس السابق لهيئة الأركان ووزير الدفاع، منذ أشهر من عملية «تطهير عرقي». أما يائير غولان، النائب السابق لرئيس هيئة الأركان وزعيم حزب «الديمقراطيين» المعارض، فقد أثار عاصفة عندما قال إن الحكومة تقتل الأطفال «كأنها هواية».

تنفي الحكومة الإسرائيلية ارتكاب أي جرائم حرب في غزة، رغم أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت. ويصرّ الجيش الإسرائيلي على أنه يتصرف وفقًا للقانون الدولي، ويؤكد أنه يتخذ خطوات لتقليل الخسائر المدنية، في حرب معقدة ضد عدو يختبئ وسط السكان ويستغل البنية التحتية المدنية.

قال د. موردخاي إن نقطة التحول جاءت تقريبًا بعد عام على بدء الحرب، حين ظهرت تقارير عن خطة إسرائيلية لنقل جميع سكان شمال غزة إلى الجنوب. لم تتبنَّ الحكومة رسميًا الخطة التي اقترحها ضباط في الاحتياط، لكن المنتقدين قالوا إن بعض عناصرها نُفذت بهدوء.

في منتصف مارس من هذا العام، أنهت إسرائيل هدنة استمرت شهرين واستأنفت القتال — في قرار اعتبره كثير من الإسرائيليين ذا دوافع سياسية في المقام الأول، لإنقاذ حكومة نتنياهو من السقوط على يد شركائه من اليمين المتطرف. وقد خلص تحقيق أجرته نيويورك تايمز إلى أن نتنياهو تعمّد إطالة الحرب وتوسيعها، مما أتاح له إضعاف خصومه، لكنه أجّل في الوقت ذاته مواجهة سياسية داخلية.

في أبريل، وقّع مئات من جنود الاحتياط والضباط المتقاعدين في سلاح الجو رسالة مفتوحة تدعو الحكومة الإسرائيلية إلى التوصل إلى صفقة مع حماس لاستعادة الرهائن. وجاء في الرسالة:

«استمرار الحرب لا يحقق أيًّا من الأهداف المعلنة، وسيتسبب في مقتل الرهائن وجنود الجيش والمدنيين الأبرياء».

ووفقًا لمنظمة «نقف معًا» (Standing Together)، وهي حركة شعبية يهودية-عربية تقود الاحتجاجات وتدعو للسلام والمساواة، فإن نحو 140,000 إسرائيلي من مختلف المهن وقّعوا على رسائل مشابهة.

في مايو، امتلأ المركز الرئيسي للمؤتمرات في القدس بآلاف الإسرائيليين في «قمة سلام الشعب»، التي نظّمتها أكثر من 50 منظمة محلية للسلام والعدالة الاجتماعية. بدأت القمة بدقيقة صمت على أرواح جميع ضحايا الحرب — من الفلسطينيين والإسرائيليين، مدنيين وعسكريين.

منذ ذلك الحين، وقّع أكثر من 1,300 أستاذ جامعي على رسالة مفتوحة أدانوا فيها ما وصفوه بـ«قائمة مروعة من جرائم الحرب وحتى الجرائم ضد الإنسانية، وكلها من صنع أيدينا». وجاء في الرسالة:

«لقد صمتنا طويلًا. من واجبنا وقف هذه المجازر».

كما وقّع كبار الأدباء الإسرائيليين — مثل دافيد غروسمان، وزرويا شاليف، ودوريت رابينيان — رسالة أخرى أعربوا فيها عن «الصدمة» من أفعال إسرائيل في غزة. وكانت رابينيان قد صرّحت بعد هجوم أكتوبر بأنها كانت عاجزة عن التعاطف مع معاناة الطرف الآخر.

نادراً ما تناولت وسائل الإعلام المحلية الرئيسية الأزمة الإنسانية في غزة بتغطية مفصلة. بينما خصصت صحيفة هآرتس اليسارية مساحة لذلك، كانت قناة 14 اليمينية الشعبية تستضيف بانتظام من يدعون إلى اتخاذ إجراءات أكثر قسوة ضد المدنيين في غزة.

هذا الشهر، تظاهر نشطاء من حركة «نقف معًا» أمام استوديوهات القنوات الإسرائيلية الكبرى، مطالبين الصحفيين المحليين بتغطية أزمة الجوع في غزة.

قال المحامي الحقوقي الإسرائيلي مايكل سفارد:

«يُناقش الناس على شاشات التلفاز مسألة تجويع أو ترحيل سكان غزة وكأنها خيارات مشروعة… لكن هناك صوتًا مختلفًا يحاول اختراق الخطاب العام المتماسك تقريبًا».

يُعد انتقاد سلوك الجنود مسألة حساسة في بلد يتم فيه تجنيد معظم الشباب اليهود، ويصعب على كثير من الإسرائيليين اتهام جيش يتكوّن من أبنائهم وأصدقائهم بارتكاب جرائم حرب.

قال إيتامار أفنيري، عضو مجلس بلدية تل أبيب وأحد مؤسسي «نقف معًا»، إن المجموعة تحرص على انتقاد الحكومة لا الجنود. وأضاف خلال مظاهرة قرب حدود غزة:

«هذه حرب إبادة… الغزيون هم جيراننا».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى