(ديل أهلي)!

للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
بطول ساحة الوطن وعرضها تدور معارك متعددة للشرف والكرامة، تستهدف الحفاظ على سيادة الوطن وأمنه واستقلاله، منها ما يدور بالسلاح ويُراق على جوانبها الدم سعياً لحفظ شرف السودان الرفيع من الأذى، ومنها ما يدور في ساحات المروءة والفضل والكرم، لتقليص معاناة أهلنا الكرماء من ويلات الحرب ومساعدتهم بتوفير الحد الأدنى من سُبل العيش الكريم لهم، وإعانتهم على العودة إلى دُورهم ومدنهم وقُراهم بعد أن نجح جيشنا المقدام في هزيمة المليشيا وطردها من ست ولايات تخلو جميعها حالياً من دنس الجنجويد بحمد الله ومِنَّته وفضله.
من المعارك التي لفتت الانتباه وأدارت الرؤوس ورفعت معدل الشعور بالفخر والاعتزاز بالوطن الحبيب ما يتم منذ فترة لمساعدة النازحين واللاجئين على العودة إلى ديارهم، بتوفير الحافلات والوجبات لهم، وكان آخر تلك الملاحم الجميلة (قطارات الشوق) التي سيرتها منظومة الصناعات الدفاعية من الشقيقة مصر إلى السودان، وتحولت إلى مهرجانات للمحبة والشوق والشجن، وشهدت مشاركة بعض نجوم المجتمع المصري فيها، تعظيماً وترسيخاً للمقولة الخالدة: (مصر يا أخت بلادي يا شقيقة.. يا رياضاً عذبة النبع وريقة.. يا حقيقة)!
التحية والمحبة والتقدير كله لقادة منظومة الصناعات الدفاعية وفي مقدمتهم سعادة الفريق أول ركن ميرغني إدريس ونوابه بقيادة سعادة اللواء الركن المعتصم عبد الله وسعادة اللواء الركن (م) الجيلي أبو شامة وأركان حربهم، سيما وأنهم قرنوا سعيهم لمساعدة أهلهم على العودة بمسعىً آخر عزيز وعظيم وفروا به لجيشنا الهمام كل معينات القتال والصمود والانتصار على مدى أكثر من عامين، فعلت فيهما المنظومة كل الممكن وكثيراً من المستحيل.. وما كل ما يُعرف يُقال، وسيأتي بحول الله يومٌ يتم فيه توثيق كل الملاحم العظيمة التي أعانت جيشنا على الصمود والانتصار.
خلال فترة الحرب اجتهدت منظومة الصناعات الدفاعية عبر مجموعة تنمية الصادرات التابعة لها في تشييد وتدشين عدد كبير من المصانع والمشاريع الجديدة والكبيرة في عز زمن الحرب (وكان آخرها تدشين خمسة مصانع جديدة في ولاية نهر النيل)، لتثبت بها أن عزيمة أهل السودان لا تنكسر، وأن إرادتهم لا تعرف الركون إلى الضعف والهوان في كل الظروف والأزمان.
كثيرون شاركوا في ملاحم الكرامة والشرف، ومنهم من سارع بكل المروءة والوطنية والمحبة إلى إعانة ودعم جرحى ومصابي القوات المسلحة وبقية القوات النظامية مثل بنك الخرطوم، الذي نحفظ له أن أنجز ذلك الصنيع البديع بصمتٍ تام، حيث سبقت زهوره ووروده محبته ودعمه السخي لأبطالٍ مجهولين، بذلوا الدماء والأشلاء رخيصةً لنصرة السودان.
في قاهرة المعز كنا شهوداً على تدشين تلك المبادرة الوطنية البديعة واللفتة الإنسانية البارعة، رداً للجميل لمن استحقوا كل جميل، فشكراً لبنك الخرطوم وقادته ونقول لهم (ياها المحرية فيكم).
كثيرون ساهموا كذلك في إعانة الأهل ودعمهم، ومنهم مجموعة شركات زادنا، التي قدمت للجيش ما لم يتم ذكره ولم يحِن أوان نشره، كما دعمت المتأثرين بالحرب بما جمّلته وأخفته.
نعِدُّ من نفروا لدعم الوطن وأهله ولا نعددهم، لكثرتهم، ومنهم أفراد كرماء سيخلد التاريخ صنيعهم، ويحفظ جمائلهم ويوثقها بماء الذهب، ومنهم مؤسسات عامة وخاصة سنحرص ما استطعنا على رصدها وحفظ جمائلها، ومنهم أبطال مجهولون اجتهدوا في إعادة خدمات المياه والكهرباء للأهل في معظم الولايات المتأثرة بدمار الجنجويد الأوغاد.. لله درّهم.. ما أجملهم.
التحية (مطبوقة) والمحبة والتقدير والاحترام والتوقير لكل من نهضوا وخفوا لإعانة أهل السودان بزاد الحِبان، وقدموا (بلِيلة المِباشر) لهم وزادوها كيل بعير، ليستوجب جميل فعلهم وبديع صنيعهم ترديد مقولة شاعرنا المبدع (سماعين ود حد الزين) الخالدة: (ديل أهلي.. البقيف في الدارة وسط الدارة وأتنَّبر وأقول للدنيا ديل أهلي.. ديل أهلي.. عرب ممزوجة بي دم الزنوج الحارة ديل أهلي.. ديل قبيلتي لما أدور أفصِّل للبدور فصلي.. أسياد قلبي والإحساس وسافر من بحار شوقهم زمان عقلي.. تصور كيف يكون الحال لو ما كنت سوداني.. وأهل الحارة ما أهلي)؟!



