رأي

تأجيل اجتماع الرباعية..رسالة مزدوجة للشعب السوداني وحلفاء الوطن

وليد محمد خير 

بعد سلسلة الانتصارات التي حققتها قواتنا المسلحة الباسلة وتشكيل الحكومة المدنية، بدأ السودانيون يعودون إلى بيوتهم تدريجيا، مفعمين بالأمل في استعادة الحياة والكرامة. لكن في الأثناء، تتواصل المعارك الدبلوماسية في الكواليس، حيث شهد مسار التسوية السياسية تأجيلا مفاجئا لاجتماع “الرباعية” الدولية المعنية بالسودان، والذي كان مقرّرا عقده خلال منتصف يوليو الجاري.

كشفت مصادر دبلوماسية موثوقة – كما أوردت “سودان تربيون” و”الجزيرة نت” – أن سبب التأجيل يعود إلى خلافات عميقة داخل الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، ومصر) حول من يحق له تمثيل السودان في أي مفاوضات قادمة.

مصر طالبت بإشراك ممثلين عن الحكومة السودانية بوصفها السلطة الشرعية الوحيدة على الأرض.

في المقابل، اقترحت الولايات المتحدة دعوة وجوه من “الحكومة الانتقالية السابقة” التي أُطيح بها في 25 أكتوبر 2021 – وهي حكومة فقدت شرعيتها وانحازت لاحقا لقوى التمرد.

هذا التباين كشف بوضوح معركة الشرعية، وهو ما اضطر الرباعية لتأجيل الاجتماع إلى حين التوافق.

أكدت الخارجية الأمريكية أن التشكيل الجديد للرباعية استبعد بريطانيا وأدخل مصر، في اعتراف ضمني بدور القاهرة الإقليمي وارتباطها الحيوي بالسودان عبر النيل والأمن الحدودي. لكن هذا الإدراج لم يكن خاليا من التحديات، خصوصا مع التوتر الصامت بين مصر والإمارات، بسبب ما يُتداول عن دعم إماراتي لقوات الدعم السريع المتمردة.

أبدت الحكومة السودانية تحفظا واضحا – ومشروعا – على أي مشاركة لدولة تدعم التمرد أو تغض الطرف عنه. في إشارة واضحة للإمارات، شددت الحكومة على أن المليشيا المتمردة استغلت جولات التفاوض السابقة للتوسع عسكريا، مما أدى لفقدان الثقة في المسارات السابقة.

من هنا، يبدو أن التأجيل جاء أيضا لإعادة ترتيب الأوراق بما يتماشى مع موقف الحكومة السودانية، لا سيما في ظل الدعم القوي من مصر والسعودية والموقف المتقدم للجيش على الأرض.

في ظل أزمة إنسانية خانقة – حيث يعاني أكثر من 25 مليون سوداني من آثار اعتدءات المليشيا المتمردة – فإن أي تأخير في فتح الممرات الإنسانية أو فرض هدنة ميدانية يعني مزيدا من المعاناة خاصة في ولايات دارفور التي ترزح تحت وطأة فوضى مليشيا التمرد. ورغم ذلك، فإن الحكومة السودانية تدرك أن الحل السياسي العادل لا يمكن أن يُبنى على شرعنة التمرد أو استرضاء الأطراف المتورطة فيه.

أعلن الاتحاد الأفريقي عن نيّته عقد جولة جديدة من المحادثات السودانية في أواخر يوليو أو أغسطس، تزامنا مع اجتماع مجلس السلم والأمن في 28 يوليو. ويبدو أن الرباعية اختارت تأجيل اجتماعها لمواكبة هذا المسار، في محاولة لتوسيع شرعية قراراتها عبر الغطاء القاري.

الخلاصة أن تأجيل الاجتماع يحمل ثلاث رسائل أساسية:

1. اعتراف بواقع الشرعية في السودان بعد انتصارات الجيش وتشكيل الحكومة المدنية، مع تراجع مواقف بعض الدول التي كانت تراهن على المليشيا.

2. تحرك مصري حاسم يعيد التوازن داخل الرباعية، ويعيد التأكيد على دعم الدول الإقليمية لاستقرار السودان عبر مؤسساته الوطنية.

3. محاولة اشراك أكبر قدر من المؤسسات الإقليمية في صياغة التسوية بما لا يتعارض مع موقف السودان الرسمي، عبر التنسيق مع الاتحاد الأفريقي.

لكن الأهم أن التأجيل، رغم تعقيداته، يعكس حجم التغير في ميزان القوى على الأرض، ويؤكد أن الانتصارات العسكرية للسودان يجب أن تُترجم إلى انتصارات سياسية تحفظ السيادة وتمنع إعادة تدوير التمرد في عباءة سياسية جديدة.

إلى أهلنا الذين عادوا إلى بيوتهم بعد طرد المليشيا، نذكّركم أن المعركة لم تنتهِ. فبينما يحمل جنودنا السلاح دفاعا عن الأرض، هناك من يحاول الالتفاف على التضحيات عبر الطاولات الدولية. الوعي الشعبي والتماسك خلف القيادة هو الضمان الوحيد لصون مكاسب النصر.

وللحلفاء من العرب والأفارقة نقول: من أراد السلام في السودان فعليه أن يحترم من صمد وضحّى، لا من أجرم  وانتهك الحرمات وخرق الاتفاقات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى