رأي

محاكمة مسببي الألم

د. إيناس محمد أحمد

بعد الحرب العالمية الثانية وماخلفتها من جرائم بشعة وانتهاكات كثيرة جعلت العالم أمام تجربة لابد منها وهي إقامة محاكم جنائية مؤقتة لمحاكمة المجرمين ، لذلك تم إنشاء محكمتين عسكريتين مؤقتتين هما محكمة (نوربيرغ) لمحاكمة قادة ألمانيا ، و محكمة (طوكيو ) لمحاكمة قادة اليابان ، وهي محاكم تاريخية وضعت الأسس والمبادئ القانونية الخاصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

ثم بعد ذلك تم تكوين محكمة للجرائم المرتكبة في يوغسلافيا السابقة منذ العام 1991م بقرار مجلس الأمن رقم 808 بتاريخ 22 فبراير 1993م ، وكذلك تكوين محكمة لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن جرائم الإبادة الجماعية في رواندا بقرار مجلس الأمن رقم 955 المؤرخ بـ 8 نوفمبر 1994م.

ونتيجة لزيادة رقعة النزاعات وزيادة الانتهاكات التي تتعرض لها البشرية وعلي إثر التجارب السابقة للمحاكم المؤقتة ، جاءت الحاجة لحماية البشرية من الانتهاكات، وإنشاء محكمة دولية مختصة، فجاء مشروع نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية للعام 1998م والتي تختص بمحاكمة الأشخاص الطبيعين في أربع جرائم هي جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية وجرائم العدوان، وبعد أن صادقت (60) دولة علي نظام روما الأساسي دخل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيز النفاذ في الأول من يوليو 2002 م .

في ذلك الوقت كانت قضية دارفور حاضرة بقوة علي الأحداث الدولية مما دفع مجلس الأمن لإصدار القرار 1593 بتاريخ 31 مارس 2005م ، والقاضي بإحالة الوضع في دارفور للمحكمة الجنائية الدولية وفق نص المادة (13ب) من معاهدة روما لعام 1998م ، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يحيل فيها مجلس الأمن ملف قضية إلى المحكمة الجنائية الدولية منذ تأسيسها في 1998م ، إذ كان يستخدم تدابير قانونية أخرى قبل ذلك.

 

في 10يوليو الجاري قدمت نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تقريراً لمجلس الأمن عرضت فيه أسباباً ترى أنها (معقولة) للاعتقاد بأن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت ولا تزال ترتكب في دارفور ، وحذرت من أن الأوضاع الانسانية قد تزداد سوءاً نتيجة هجمات المليشيا المتمردة علي الفاشر ومعسكر زمزم ومعسكر أبو شوك للنازحين.

وأعربت نائبة المدعي العام عن تفاؤلها فيما يتعلق بتعاون حكومة السودان معها خلال زيارتها لبورتسودان .

ومن أهم العبارات الواردة في تقريرها – وهي تخاطب المجتمع الدولي- “بدعمكم لا يمكننا فقط تحقيق العدالة التي تشتد الحاجة إليها لما يحدث ، بل أيضا والأهم من ذلك منع دوامة العنف التي تبدو بلا نهاية ، والتي يغذيها شعور عميق بالإفلات من العقاب بين من يسببون الألم في هذة اللحظة” .. انتهت عبارة نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية.

بعد كل الأدلة التي تم جمعها والشهود الذين أدلوا بشهاداتهم حول الفظائع والجرائم التي ارتكبت، تجعلنا نطالب بمحاكمة المجرمين.

سيادة النائبة – من يسببون الألم (كثر) ليس المليشيا والمرتزقة التابعين لها الذين يقاتلون من الداخل فقط ، بل هناك داعمين خارجيين لهم دور فاعل في هذة الحرب وهذا (الألم) يقدمون المال والدعم اللوجستي و الاسلحة والذخائر واستجلاب المرتزقة الاجانب وتجنيدهم وتمويلهم بهدف استمرار الحرب، وليس إحلال السلام والأمن والاستقرار كما (يدعون) ، مما يجعل مطالبة السودان قوية عبر السفير الحارث إدريس المندوب الدائم للسودان لدي الأمم المتحدة لمكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإضافة العناصر الفاعلة لتأجيج الحرب في السودان و العمل علي استمرارها سواء كانو دولاً من الجوار الأفريقي أو من الدول التي تمول الإرهاب وتدعم المليشيا الإرهابية ، و ان تضيف – نائبة المدعي العام – كل هؤلاء لمذكرتها والمطالبة بمحاكمتهم أحقاقا للعدالة الدولية.

السفير الحارث أشار في رده علي خطاب نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى جريمة (العدوان) وهي من الجرائم التي تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ، لأن هناك (شخصيات) من دول أجنبية تساعد وتحرض وتدعم لاستمرار الحرب واحتلال جزء من الأراضي السودانية مستعينة في ذلك بمرتزقة بهدف انشاء حكومة موازية ، مما يشكل جريمة (عدوان) أخرى تضاف إلى قائمة الجرائم التي ترتكبها المليشيا الإرهابية.

الكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي تنتظر تسديد هدف (عالمي) في مرمي العدالة الدولية ، إن كان جاداً فعلا في حل الأزمة في دارفور بل وفي السودان كله ، وتقديم المجرمين ومن (يعاونهم) للمحاكمة وعدم الافلات من العقاب .

في كل الأحوال فإن المسار القانوني قد يأتي بنتائج واضحة، بينما اجتماع الرباعية في واشنطن مهما كانت اجندتها المعلنة (حلول سياسية) لكن أهدافها المستترة معروفة ، الأمر الذي جعلها لا تمتلك مفاتيح الحل المثالي ، أضف إلى ذلك انتصارات القوات المسلحة في ميدان المعركة وهزائم المليشيا وفرارها ، كل ذلك غير الكثير من المعطيات عسكريا وسياسيا و (دوليا) وغير نظرة العالم لما يحدث في السودان ، والدليل تغير (لغة) تقرير نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مؤخراً.

نقلا عن “المحقق”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى