تقارير

الحرب في السودان: تشاد وقعت في فخها

 

الأحداث – وكالات

تشهد الحرب في السودان تحولات جديدة، حيث تكتسب القوات العسكرية السودانية، بعد ما يقرب من عامين من النزاع، أراضي جديدة على حساب قوات الجنرال حميدتي شبه العسكرية. ويُنظر إلى الرئيس محمد ديبي على أنه قد وضع دعماً لهؤلاء وتسبب في إنشاء قاعدة خلفية لهم على الأراضي التشادية.

 

إن الصراع في السودان معقد للغاية، إذ يتضمن العديد من الجماعات المسلحة المتقاتلة لأغراض مختلفة، وتتشابك فيه الروابط العرقية والاجتماعية مع المجتمعات في الدول الحدودية، فضلاً عن تدخلات جيران السودان والسلطات المحلية. منذ 15 أبريل 2023، اشتد الصراع بين معسكرين: الأول هو قوات الجيش السوداني بقيادة الجنرال البرهان (SAF)، التي تحظى بدعم شرعي من مصر وتركيا، ثم روسيا وإيران. أما الجانب الآخر، فهو قوات الدعم السريع بقيادة الجنرال حميدتي، المدعومة من الإمارات وتشاد والمشير حفتر من ليبيا وأخيرًا من وسط أفريقيا.

 

خلال الأسابيع الماضية، بدا أن القوات المسلحة السودانية تكتسب زمام المبادرة، حيث لا يمر يوم دون أن تحقق مكاسب إقليمية جديدة. وقد تمكنت هذه القوات من استعادة شمال الخرطوم وتقدمت في الأيام الأخيرة نحو تحرير العاصمة بالكامل، بالإضافة إلى استعادة جزء من شمال كردفان، مما يمكّنها من التقدم نحو جنوب دارفور. إن نهاية الحرب متوقعة في ولايات دارفور الخمس، التي تظل جمهورية بلا حدود باستثناء عاصمتها الفاشر.

 

وفقًا لمصادر من دارفور، يُحتمل أن يسعى حميدتي إلى تقسيم البلاد في حال تحقيقه للنصر، ولكن هذه الاتصالات تتسم بالجدية. يُعبر البعض عن مخاوفهم بالقول: “هذا لن يحدث، فالجمهورية بلا حدود لن تتمكن من المقاومة في كافة أنحاء دارفور، ولن تستطيع الاحتفاظ بالأرض”. لطالما كانت هناك جيوب من قوات “الدعم السريع” محاصرة بالفعل في شمال وجنوب المنطقة، ورغم امتلاكهم لمقاتلات، إلا أنهم يفتقرون إلى القاعدة والدعم اللوجستي والجوي.

 

كلما تقدمت القوات السودانية، زادت ضعف سلطات نجامينا. لفهم هذه الديناميكية، يجب الرجوع إلى بداية النزاع. فعندما اندلعت الحرب، تعهد الرئيس التشادي محمد ديبي، الذي تولى السلطة منذ عامين، بعدم الانحياز إلى أي طرف. ومع ذلك، سرعان ما أصبح دعمه لحميدتي أمرًا غير خفي. يُعتبر هذا الدعم غير طبيعي بالنسبة لتشاد، حيث إن قوات “الدعم السريع” مُتهمة بأنها ناتجة عن “الجنجويد”، الميليشيات ذات السمعة السيئة بسبب فظائعها ضد الفور والمسالييت والزغاوة، والتي تتواجد في كلا البلدين، وذلك خلال حرب دارفور الثانية التي بدأت في عام 2003.

 

هذا التحالف بين الرئيس ديبي وحميدتي أدى إلى انقسامات عميقة داخل المؤسسة العسكرية التشادية، حيث أصبحت بعض العائلات التي لجأت إلى تشاد في عام 2003، اليوم تمثل ضباطًا في الجيش التشادي و/أو في الحرس الجمهوري. بالإضافة إلى ذلك، هجر جنود تشاديون صفوفهم للقتال بجانب القوات السودانية ضد أعدائهم السابقين. هذا الخيار لدعم ميليشيات الجنجويد السابق خلق انقسامات أيضاً في المجتمع التشادي، كما حدث مع المعارض يايــا ديلو، الذي التقى في أوائل عام 2024 بمبعوثي البرهان في بورتسودان، وتعرض للقتل على يد الجيش التشادي بعد عودته إلى نجامينا. واليوم، يُعد شقيقه عثمان ديلو من بين أكثر التشاديين الذين يقاتلون جنبًا إلى جنب مع الجيش السوداني في الفاشر.

 

إذن، يطرح السؤال: لماذا اختار الرئيس التشادي أن يتعاون مع حميدتي؟

 

وضع الرئيس التشادي ومخاطر التعاون مع حميدتي

 

في ظل الظروف الحالية، يبرز تساؤل حول دوافع الرئيس التشادي لوضع يده مع حميدتي، بالرغم من المخاطر المرتبطة بذلك. يمكن تلخيص الحجج الرئيسية لهذا التحالف كما يلي:

 

1. *الضغط العائلي والسياسي: يُشير الوضع العائلي للرئيس التشادي إلى أنه ليس من عشيرة الزغاوة القوية. والدته غوران تعكس هذا الانتماء، مما يجعله أكثر عرضة لمواجهة تحديات سياسية على خلفية عدم دعمه من جزء كبير من سكانه وجيشه.

 

2. *التحالفات الضعيفة: يُعتقد أن الرئيس لا يمتلك القوة الكافية في القوة السياسية مثل والده، الذي كانت له تحالفات قوية، مما يفسر احتياجه للتعاون مع قادة ميليشيات مثل حميدتي للبحث عن الدعم.

 

3. *الدعم المالي من الإمارات: أحد الأسباب الحقيقية لهذا التحالف هو البحث عن التمويل والاستثمارات من الإمارات، والتي يبدو أنها تُضخ بشكل متزايد لدعم الأنشطة العسكرية في تشاد، مما يجعلها قاعدة خلفية للميليشيات السودانية وتعزز من موقفها في المنطقة.

 

4. *إمدادات عسكرية: تشهد تشاد على تدفق مستمر للإمدادات والأسلحة من الإمارات، بما في ذلك المعدات العسكرية المتطورة، مما يزيد من القدرة العسكرية للرئيس التشادي لكنه يضعه في موقف محفوف بالمخاطر من خلال اعتماده على قوى خارجية.

 

5. *اجتماعات واهتمامات إقليمية: تشير الأحداث الجارية، بما في ذلك الاجتماعات مع شخصيات مثل البرهان، إلى سعي تشاد لكسب دعم إقليمي، رغم أنه لا يبدو أن الحكومة السودانية تخطط للتدخل بشكل مباشر.

 

6. *التهديدات المتكررة: تاريخ هجمات المتمردين التشاديين على العاصمة نجامينا يزيد من حدة التوترات، ويجعل الشعب التشادي يعيش في حالة من عدم اليقين والخوف من العودة إلى حالات الصراع العنيف السابقة.

 

التحديات الحالية

 

-*الجيش المنقسم: يُظهر الجيش التشادي انقسامًا عميقًا وقوة هشة، وهو ما يضعه في مواجهة تحديات جمة أمام المتمردين المدعومين بشكل جيد من الجيش السوداني.

 

*انسحاب القوات الفرنسية: مع رحيل القوات الفرنسية التي كانت تدعم الحكومة التشادية في صراعها ضد المتمردين، تضعف قدرة الرئيس على مواجهة التهديدات الجديدة.

 

-*الدور التركي: رغم وجود الجنود الأتراك في تشاد، فإن دورهم لا يتعدى كونه موردين للطائرات بدون طيار، مما يعكس عدم وجود دعم عسكري فعال في حالة تصاعد الأزمات.

 

الخلاصة

 

في ظل كل هذه التحديات، يجد الرئيس التشادي نفسه مضطرًا للعب لعبة خطرة من خلال التحالفات. بينما يسعى للبحث عن دعم مالي وعسكري لتحصين نظامه، يظل خطر الانزلاق إلى صراعات داخلية وعدم الاستقرار قائمًا. ما هو مطلوب اليوم هو استراتيجيات فعّالة تساعد في بناء جبهة داخلية موحدة وفعالة لمواجهة التحديات المعقدة التي تواجه البلاد.

 

نقلا عن صحيفة “إيفريس” الفرنسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى