رأي

مافي قبيلة بتغلب دولة (2-3) 

 

د. كرار التهامي

أشرتُ في المقال السابق إلى ان الكثير ين من الذين حاربو الدولة وتمردوا عليها في كل مناطق النزاعات في افريقيا حاربوها بزعم ان مناطقهم فقيرة ومهمشة واتخذوا هذا الزعم سببا في إشعال الحرائق في الحقول والبيادر و كانت الحرائق تشتعل تحت اقدامهم في ثبابهم وحواكيرهم قبل ان تطال مدن المركز النائية الحصينة و ظلت ادبيات الهامش المكرورة التي يؤججها المحرضون غلاف سياسي وتبرير كذوب للحروب البشعة والقلاقل

نجحت الدولة في أفريقيا في تحطيم غالب الحركات المسلحة السياسية والقبلية وتحجيمها بالقهر او التراضي فلم تعد هنالك قبيلة او حركة مسلحة- في نيجريا او الجزائر او رواندا او الكونغو او أنغولا او اي دولة في أفريقيا ابتليت بالحركات المسلحة والنزاعات الاثنية – قادرة على فرض أحلامها وطموحاتها واستغلال جدل الهامش والمركز وتفسيره على طريقتها،

اما الفقر في السودان فهو في دمهم ولكن ليس قدرهم بالضرورة ان صح منهم العزم ،،، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في السودان في عام 2022 أقل من الف أربعمائة دولارًا، مما يضعه بين أفقر دول العالم.

. مرةً استشهد الدكتور عبد الله الطيب عندما كان مديرا لجامعة الخرطوم في رد طريف على بعض الطلاب المحتجين وهو يتحدث عن لازمة الفقر التي اصابت السودان منذ قرون ليعلل سبب العجز في الميزانية فاشار إلى ماقاله ياقوت الحموي في معجم البلدان وهو يعرف السودان ((بانه بلد اشتهر أهلها بالفقر وشطف العيش )) والفقر النسبي ليس مبررا للتمرد على الدولة والحرب و صناعة التوحش وإفقار البلاد على ماهي عليه !!

( البارادوكس ) في سردية الفقر والهامش يظهر في الثراء والرفاه لدى قيادات من يتمردون على الدولة بحجة محاربة الفقر فالدعم السريع كنموذج هو أغنى مؤسسة عسكرية شبت عن الطوق في أفريقيا و يمتلكها أصحابها امبراطورية المال والذهب والعقار والسلاح والتناصر الخارجي وهي تستبيح الفقراء في الجزيرة وتسومهم الخسف والعذاب وتسرق بيوتهم وتتركهم في فقر وفجيعة وعوز لتحارب الفقر والتهميش كأن هولاء الفقراء المغدورين من عناه الشاعر الراحل ابو آمنة حامد بالقول

ما كفاه العذاب الهو فيه….

ليه تزيد آلامه اكتر …

ولو كان الفقر والمسغبة سببين معقولين لاشعال الحروب فالأحرى ان يتمرد سكان تلك الرقعة المنبسطة في وسط البلاد التي تحتضن اكبر مشروع مرْوي في افريقيا اختارها الإنجليز مكانا لأقامته ليس تمييزا لسكانها عن الأقاليم الأخرى كما اشار منصور خالد ولكن لانها بلاد تجري من فوقها ألانهار وأرضها خصيبة ومنسابة ومكانها قريب من البحار والإنجليز اختاروا الأسهل لمصلحتهم فما ذنب سكان الجزيرة ان يحسدوا على ماهم باكين منه و ان يكونوا في هامش المركز وفقا (لجارقون )حفاري القبور والمتنطعين

لم ينعم سكان الجزيرة بثمار الجنة الخصيبة التي أتت أكلها للآخرين ولم ينعموا بحب الحصيد من عرق جبينهم وكانت علاقات الانتاج قسمةً ضيزى هندسها الانتهازيون والأفندية الكبار وقاطنوا المدن وقيادات الحيرة بعد الاستقلال والحزبيون الجهلة قصيرو النظر في ذلك الزمان فذهب ٨٥ ٪؜ من ريع المشروع إلى المركز و بسبب تغيير البيئة وهندرتها من بيئة طبيعية رعوية فطرية إلى بيئة زراعيةمصطنعة انتشرت فيها قنوات الري كالشرايين في الجسد العليل فتفشت أمراض الملاريا والبلهارسيا وامراض الفشل الكلوي بسبب الماء المختلط بالمبيدات التي كانت تتسرب إلى الأجسام و دون ان ينتبه السكان البسطاء (اهل العوض ) كما يقول بعض المتقولين من سكان المدن هولاء المفترون الذين جاءوا الي المدن من ( بلودهم ) عرجا مكاسيح حفاة عراة وتوسموا بوسم المدينة وتزيأوا بقماشتها وادعوا انهم اهل البندر ونسيوا الحواضن الفقيرة والتراب ! ،،

كان اثر المشروع عظيما على الاقتصاد الوطني وميزان المدفوعات والرفاه الذي حل بالمدن التي قامت فيها دور السينما والرياضة والأندية الليلية والجامعات والمستشفيات والمباني الفاخرة والفنادق الفخيمة بينما نصب الفقر والتجهيل الممنهج خيمته فوق اهل الجزيرة و ظلت المدن في ظلال النعيم

خنق الفقر الحياة في تلك الرقعة الجغرافية الوسيعة والرابضة كطائر مهيض الجناح بين نهرين دفاقين مترعبن بالحياة يمران في هدوء في بيئة تكاد تموت من الظمأ فالماء في الجزيرة مخلوط بطين البحر ورواسبه ويصعب الحصول عليه في انتظار (السقاء ) الذي يبيع الماء على ظهر حمار والذي قد ياتي او لا يأتي وعلى امتداد مائتين وخمسين كيلومتر في تلك الفيافي الممتدة وداخل امتدادها العتيق ًحيث يخيم الجهل والموت المبكر و تنعدم الخدمات الصحية

مع انعدام الخدمات الصحية في مناطق الانتاج اصبح من يحتاج العلاج عليه بسكة السفر الطويل من الشروق إلى الغروب في الطرق البرية إلى المدينة ،،،،،! لا يوجد مستشفى مرجعي واحد وكثير ما تتم حالات الولادة القسرية للنساء في الطريق الى المستشفيات وكثيرا ما تتم حالات الوفاة قبل الوصول إلى تخوم العاصمة

لم يكن يوجد شارع مسفلت ليربط اهم مناطق الانتاج في السودان ولا أستاد رياضي إلا ما احيط بالزكائب في زمن ما !! ولا نادي ثقافي ولا فرع لبنك ولا مركز لشرطة إلا في مسافات قصية حتى المدارس كانت ميزة نادرة لبعض المدن يرحل اليها التلاميذ باللواري لينتقلوا من مرحلة لأخرى وكثير من القرى حتى بداية الثمانيات لايوجد فيها طالب واحد في جامعة او عشرة تلاميذ في مرحلة متوسطة وظلت الأمية منتشرة حتى هذا اليوم

فهل يحمل اهل الجزيرة السلاح وهم الأكثر عددا من كل المناطق والأقاليم ويقاتلون الدولة بحجة نهب ثرواتهم وخداعهم وتهميشهم وابادتهم الجماعية بالأمراض والأدواء

نواصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى