أمريكا والشرق الأوسط.. ارفعوا أيديكم عنا
عادل الحامدي
*جولة جديدة في منطقتنا العربية يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، عنوانها البارز دفع حكومة نتنياهو إلى استغلال عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، يحيى السنوار، والذهاب إلى وقف لإطلاق النار، والبدء في اليوم التالي للحرب التي تجاوزت العام، وأخذت معها أرواح عشرات الآلاف من المدنيين، وأحالت قطاع غزة إلى أرض يباب غير قابل للسكن.
*والحقيقة أن بلينكن لم يكن في يوم من الأيام وسيطا محايدا في الشرق الأوسط، بل طرف أساسي في الحرب الدائرة حتى الآن في فلسطين ولبنان وقبلهما في السودان ويمتد لهيبها الآن ليشمل إيران مع ما يعنيه ذلك من حرق بلدان عربية عديدة على علاقات جيدة بإيران.
*ومع أن أيام بلينكن في الخارجية الأمريكية باتت معدودة، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة على أبواب انتخابات تشير استطلاعات الرأي إلى أن الديمقراطيين قد يخسرونها، فإنه لم يفقد الأمل في التبشير بتغيير خارطة الشرق الأوسط، والذهاب قدما في دعم قطار التطبيع بين الكيان المحتل في فلسطين والدولة العربية والإسلامية الأهم، أي السعودية.
*السياسة في نهاية المطاف هي حلم وإرادة، وحلم الولايات المتحدة الأمريكية هي أن تجعل من الاحتلال أمرا واقعا غير قابل للتهديد، وأن تقبر حلم الدولة الفلسطينية ذات السيادة، حتى لو كان الثمن البشري لذلك باهظا.. وهي تسعى لإنجاز هذا الهدف مدفوعة بما حققته في حروبها السابقة في المنطقة سواء في أفغانستان أو العراق، أو حتى في السودان يوم قسمته إلى جنوب وشمال، وهي اليوم تسعى للثأر منه ومن انتمائه الإفريقي والديني بدعم محاولات تفتيته عبر الرهان على ميليشيات مسلحة.
*على مدى عام كامل من عمر حرب الإبادة في فلسطين، وعام ونصف من حرب تمزيق وحدة السودان لم تفتر محاولات الإدارة الأمريكية ليس في توفير الدعم العسكري والغطاء السياسي لكيان الاحتلال في جرائمه ضد الإنسانية في مخالفة لكل القوانين الدولية، وإنما أيضا في الضغط على الدول العربية الرئيسية لتطبيع علاقاتها مع الاحتلال، بحكم الأمر الواقع.
*السعودية التي لا تزال مواقفها متشبثة بالمبادرة العربية السلام التي طرحتها في القمة العربية في بيروت 2002، تمثل العاصمة الأهم في العالمين العربي والإسلامي، باعتبار مكانتها الدينية أولا وموقعها الجغرافي وإمكانياتها الاقتصادية الضخمة.. وهنالك معلومات عن أن الرياض مازالت تتريث في إتمام خطوات التحاقها بمجموعة البريكس التي تقودها روسيا والصين، أخذا بعين الاعتبار لموقف هذه الدول من مستقبل الحرب بين موسكو وكييف، ومن ثم العلاقة بالولايات المتحدة وبحلف الناتو.
*من حق السعودية أن تتريث في إقامة أي علاقات مع أي تحالف دولي ومراعاة مصالحها وأمنها القومي، لكن بالتأكيد فإن العلاقة مع الاحتلال لن تكون لا في مصلحة السعودية ولا فلسطين ولا أمن واستقرار المنطقة.
*فقد كشف الاحتلال عن أنيابه الشيطانية واتضحت آثار ذلك في مختلف دولنا العربية والإفريقية، ولم يعد خافيا أن الحروب الأهلية التي اشتعلت نيرانها في العديد من دولنا العربية الرئيسية ما كان لها أن تكون لولا الأيادي الصهيونية الخفية.. وإلا فإن بلداننا احتكمت لصناديق الاقتراع وتمكنت من اختيار من يحكمها بطرق سلمية قبل أن تنقض على الصناديق الأيادي المغشوشة المدعومة بالمال الفاسد، وتحيل ديمقراطياتنا إلى عشريات دموية سوداء كالحة.
*المشاهد الإنسانية المؤلمة في غزة ولبنان وقبلهما في السودان واليمن وسوريا تبعث على اليأس والاحباط إذا أخذناها معزولة عن سياق التطور الحضاري والإنساني بشكل عام، إذ أن الولايات المتحدة مزهوة بانتصاراتها العسكرية السابقة وبريادتها للعام، تعتقد أن بإمكانها إعادة تشكيل العالم كما تريد، ومن ضمن ذلك عالمنا العربي ناسية أن الظلم مؤذن بخراب العمران، وأن العدل هو أساس الملك وعماد استقراره.. وأعتقد أن الوقت قد حان لواشنطن أن تدرك أن الرهان على القوة لقيادة العالم لن يكتب له النجاح ما لم يصاحب ذلك عدل ومساواة.
*سيقول لي سائل: مهلا أيها الحادب على مصالحنا العربية وأنت تحذر من مخاطر السياسات الصهيونية المدعومة أمريكيا على بلداننا، كيف تطالب أمريكا بالعدل فينا بينما أنظمتنا تدوس رقابنا وتطحننا وتلغي حقنا ليس في التعبير عن الرأي فقط، بل وفي الحياة أصلا؟.
*وجوابي: متى ما رفع الأجنبي يده عنا فنحن أهل لإدارة شؤوننا بأيدينا، ولدينا من القدرة على الحوار والاحتكام لصناديق الاقتراع ما يقينا آفة الاستبداد وشرورها.
*كاتب وإعلامي تونسي مقيم في لندن