تقييم الوساطة الأميركية في حرب السودان: من منظور مبادئ الوساطة في الأمم المتحدة
محمد عثمان أوكشة
في 23 يوليو 2024، وجه وزير الخارجية
الأمريكي دعوة للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لإجراء محادثات لوقف إطلاق النار، والمقرر عقدها في جنيف في 14 أغسطس 2024. تعد هذه المبادرة خطوة مهمة في محاولة لحل الصراع المتصاعد في السودان، لكنها تثير أسئلة حاسمة حول مدى توافقها مع المبادئ الراسخة للأمم المتحدة في الوساطة الفعالة. من خلال النظر في هذا الجهد من منظور هذه المبادئ، يمكننا تقييم نقاط القوة والضعف في الوساطة الأمريكية في السودان.
مبادئ الأمم المتحدة للوساطة الفعالة :
تؤكد مبادئ الأمم المتحدة للوساطة الفعالة على المبادئ الرئيسية اللازمة لتحقيق نجاح في حل النزاعات. وتشمل هذه المبادئ: الاستعداد، الموافقة، الحياد، الشمولية، والالتزام بالقانون الدولي والأطر المعيارية. كل من هذه المبادئ، إذا تم تطبيقها بشكل صحيح، فإن ذلك يزيد من فرص تحقيق سلام مستدام في بيئات النزاع المعقدة مثل السودان.
تعريف دور الوسيط:
يعرّف خبير حل النزاعات، جاكوب بيركوفيتش، الوساطة بأنها “عملية لإدارة النزاع، وهي تختلف عن مفاوضات الأطراف، حيث تقبل الأطراف المتنازعة بمساعدة طرف خارجي للتأثير على تصوراتهم أو سلوكهم دون اللجوء إلى القوة أو السلطة القانونية.” دور الوسيط هو العمل كمسهل محايد، يوجه العملية دون فرض نتائج أو الحكم على عدالة المسار. من الناحية النظرية، ينبغي أن تركز الولايات المتحدة كوسيط على توضيح القضايا، وتفكيك حواجز التواصل، وخلق بيئة يمكن فيها للأطراف التفاوض بحسن نية.
ومع ذلك، تكشف المبادرة الأمريكية في السودان عن عدة نقاط قصور حاسمة في الالتزام بهذا الدور. بإلغاء نظرة علمية دقيقة على عملية الوساطة الأمريكية من خلال منظور المبادئ الرئيسية للأمم المتحدة يمكن استنتاج الآتي
١- الاستعداد
قدمت الدعوة قبل ثلاثة أسابيع من التاريخ المحدد لبدء المحادثات في جنيف، وهي مهلة وجيزة ليست كافية للتحضير الشامل المطلوب لمثل هذه المفاوضات الحساسة. يعتبر التحضير الكافي ضروريًا لضمان دخول الأطراف في المحادثات بفهم شامل لمواقفهم الخاصة، وكذلك مواقف خصومهم. يتحدث علماء حل النزاعات غالبًا عن فكرة “نضوج” النزاع، وهي الفكرة التي تشير إلى أن الوساطة الناجحة تكون أكثر نجاحاً عندما تكون جميع الأطراف مستعدة للتفاوض بجدية.
نظرًا لتعقيد النزاع السوداني، كان ينبغي على الولايات المتحدة تخصيص المزيد من الوقت لضمان وضع جميع الترتيبات اللازمة، لا سيما من الناحية اللوجستية والدبلوماسية. الجدول الزمني المتعجل، كما هو الحال هنا، يهدد بإضعاف العملية قبل أن تبدأ.
.٢- الموافقة
تعتمد الوساطة الفعالة على الموافقة الكاملة والطوعية لجميع الأطراف المعنية. ومع ذلك، في هذه الحالة، لم تعلن حكومة السودان علنًا تأييدها للمبادرة الأمريكية. ويعود ترددها إلى عدة مخاوف رئيسية، وكلها مبررة وهي:
استبعاد الإمارات:
قدم السودان أدلة، مدعومة بتقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة، تفيد بأن الإمارات هي الداعم الرئيسي لقوات الدعم السريع. ولذلك، فإن طلب الحكومة السودانية استبعاد الإمارات من محادثات جنيف مبرر، إذ يصعب الانخراط في عملية محايدة عندما يُنظر إلى أحد الأطراف على أنه يحظى بدعم خارجي من أحد المشاركين
.
التمثيل:
إن إشراك الحكومة السودانية للأطراف المختلفة من اتفاق جوبا 2020 يعد عاملاً أساسيًا في إضفاء الشرعية على العملية. وبالتالي، يجب أن تشمل محادثات جنيف ليس فقط الجيش السوداني، ولكن أيضًا وفد حكومي أوسع يمثل جميع الفصائل، بما في ذلك المدنيين.
تنفيذ إعلان جدة:
اقترحت الولايات المتحدة أن تكون محادثات جنيف بمثابة استكمال لمناقشات جدة، ولكن لكي ينجح هذا، يجب أن تكون هناك آليات قابلة للتنفيذ لتطبيق ما تم الاتفاق عليه. يشمل ذلك انسحاب قوات الدعم السريع من المنازل المحتلة، والمؤسسات الحكومية، والمرافق. بدون التزامات واضحة وعواقب، ستبقى اتفاقيات وقف إطلاق النار رمزية وغير فعالة.
٣- الحياد
الحياد هو حجر الزاوية لأي عملية وساطة. في حالة السودان، أثيرت مخاوف بشأن حياد الولايات المتحدة بسبب الديناميات المحيطة. بعد اجتماعات جدة بين وفد الحكومة السودانية والمبعوث الأمريكي الخاص، كان هناك شعور بأن الولايات المتحدة كانت تركز أكثر على تحقيق حل سريع بدلاً من معالجة القضايا الأساسية، مثل عدوان قوات الدعم السريع ضد المدنيين وعلاقاته مع الجهات الخارجية الداعمة للصراع كان واضحاً أن الولايات المتحدة راغبة في تحقيق اتفاق يكون كرتاً لها تستخدمه في الانتخابات الأمريكية القادمة.
هذا التصور يهدد بتقويض الثقة في الولايات المتحدة كوسيط عادل. الوسيط الناجح يجب أن يوازن بين الديناميات دون أن يظهر كأنه يفضل أحد الأطراف على الآخر.
٤- الالتزام بالقانون الدولي و الأطر المعيارية.
يضمن الالتزام بالقانون الدولي أن تكون محادثات السلام قائمة على معايير معترف بها عالميًا. وبينما تتضمن المبادرة الأمريكية ممثلين من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، لا يوجد دليل يوضح أن الأطر القانونية الدولية الملزمة توجه العملية. في نزاع شديد مثل النزاع السوداني، يجب أن تكون المساءلة عن الفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، وخاصة الانتهاكات الجسيمة، محورية في أي جهد وساطة.
يكشف تطبيق مبادئ الوساطة الأممية على الجهد الأمريكي في السودان عن عدة أوجه قصور قد تعيق نجاحه وتتمثل في:
١- قصر مدة التحضير والجدول الزمني المتعجل الذي يضعف الثقة في العملية.
٢- عدم الفهم العميق لأسباب النزاع الجذرية، خاصة التأثيرات الخارجية التي تدفع قوات الدعم السريع.
٣- عدم الحياد، مع القلق من أن الولايات المتحدة تركز أكثر على تحقيق حل سريع بدلاً ضمان حل عادل.
.
٤- استبعاد أصحاب المصلحة الرئيسية خاصة من المدنيين، من عملية الوساطة.
٥-عدم معالجة الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم٥- السريع ودور الجهات الخارجية مثل الإمارات في تأجيج النزاع.
٦-غياب إطار قانوني ملزم لضمان مساءلة جميع الأطراف.
لكي تساهم الولايات المتحدة في وقف إطلاق نار ذي معنى وتمهد الطريق لسلام دائم، يجب عليها تعديل نهجها ليتماشى بشكل أوثق مع المبادئ الأساسية للوساطة الفعالة. فقط من خلال معالجة الأسباب الجذرية للنزاع، وإشراك جميع الأطراف، والحفاظ على الحياد الحقيقي، يمكن للولايات المتحدة أن تأمل في تسهيل حل مستدام في السودان.