انتفاضة مترفين
صديق محمد عثمان
– [ ] في فبراير من العام 2019 هاتفت الأخ الدكتور جبريل إبراهيم وجادلته مطولا بعد توقيع الحركات المسلحة لما عرف حينها بميثاق الحرية والتغيير ، وكان بعض منطقي ضد انضمام الحركات للميثاق أن ما يحدث في الخرطوم ليس بثورة ولا علاقة له بالتغيير إنما هي انتفاضة مترفين وان الكيانات التي دعت الحركات للتوقيع معها انما تحتاجها لاهداف محددة جدا اولها المساعدة في الاطاحة باخوانهم الحاكمين والثانية الدخول في حرب مع الجنجويد في دارفور بعيدا عن مركز الخرطوم ليخلو لهم وجه السلطة.
– [ ] لا أود القول هنا ان الاحداث اثبتت صحة منطقي ذاك فقد وجد جبريل وقادة الحركات انفسهم في اديس ابابا ثم جوبا يفاوضون الموسسة العسكرية ( الجهة الفنية التي كانت تقاتلهم او يقاتلونها ) بينما كان مدني عباس قد قد قميصه من قبل ورسم بريشة الماكير الماكر دمعة نضالية ودماء ثورية فوق خده الأسيل واسرع يعتلي كرسي وزارة وحينما دخل المحاربون السابقون الخرطوم بعد توقيعهم مع القوات المسلحة تململت قوى انتفاضة المترفين ووقف متحدثوها ينفخون المايكرفونات بسخائم نفوسهم الخربة ( ما بيشبهونا نحن ديل كلو كلو) في الإشارة إلى ( قرود الموز ) التي اعتصمت امام القصر .
– [ ] غني عن القول ان انتفاضة المترفين أسفرت عن سقوط حكم الأفندية الذين كانوا ينظرون إلى أزمة البلد على أنها مجرد عناد رئيس على عدم التنازل، بينما يراها اخوانهم المعارضين الآخرين على انها عنادهم هم على عدم التنحي ومنحهم فرصة للركوب ( بمهلة) فوق راس الشعب.
– [ ] ولذلك عندما حضر جبريل ومني ومالك عقار غضب الذين كانوا يعتقدون ان ( الدور) في لعبة الكراسي ( حقهم) حصريا أو كما عبر بعضهم ( نحن فقط … هذه حكومتنا !!)
– [ ] ومثلما كان اخوانهم السابقين يستأجروا بندقية حميدتي لحمايتهم من تكاليف النظر إلى أزمة البلد ، فقد حرص هولاء أيضا على التاكيد على التزامهم بالتعاقد مع بندقية حميدتي وزايدوا على اخوانهم السابقين فرفعوا الرجل فوق ميدان اعتصامهم ليس باعتباره (حمايتي) من تكاليف التأسيس العادل لمساومة السلطة المركزية وحسب، بل باعتباره (الضكران الخوف الكيزان ).
– [ ] ومثلما استدعى البشير حميدتي ليشارك أجهزته الأمنية والشرطية والعسكرية فض اعتصام انتفاضة المترفين، فقد اعطى الذين خلفوه الأوامر لفض ذات الاعتصام الذي تسلقوه نحو كرسي البشير وكراسي اخوانهم السابقين.
– [ ] وكما اندهش حميدتي من استدعاء البشير له لفض الاعتصام لانه يمثل تطور كبير في شروط تعاقده مع سلطة الافندية، فقد اصابت الرجل ( الخلعة ) وهو يرى السالفين يعدون له عريش الرجل الثاني في الدولة وسط أهازيج بابكر فيصل ( الدعم السريع جزء اصيل من قوى الثورة) وترانيم خالد سلك ( الدعم السريع لعب دورا اساسيًا في انجاح الثورة) وترانيم وجدي ( مسالة البحر الأحمر ولماذا يتصدى الدعم السريع …)!!
– [ ] واذ ذهب الحاكمون السابقون في اجازة طويلة على شواطي تركيا ومصر وغيرها، فقد صعد مكانهم اخوانهم وحلفاءهم السابقين دون سند ويتعمد اولئك وهولاء تغييب الارادة السياسية الموسسة لمساومة السلطة التي وجد جبريل ومني وعقار انفسهم موظفين فيها يحاولون تثبيت أركانها إلى حين حضور اهلها السابقين الذين حاربوهم وانكروا عليهم الحق في المشاركة في مساومتها.
– [ ] وهذا الحال صنع سلطة بلا سند ولا مشروعية لمناقشة وحسم القضايا التي حمل من اجلها جبريل ومني وعقار السلاح ابتداء ، بل وأفسح المجال لحميدتي لينتقل من دور المقاتل الاجير الذي يحارب عن مساومة لا تعنيه مقابل نفوذ فيما يعنيه، إلى بندقية لاعادة ترتيب النسيج الاجتماعي نفسه.
– [ ] فالسلطة المركزية السابقة أطلقت يد حميدتي في دارفور يجري فيها تجريفا وهندسة اجتماعية قلبت نظامها راسا على عقب وجعلت الناظر مادبو مجرد دقاق قن قن وحكامة يتغنى بأمجاد حميدتي !!
– [ ] والجهات الخارجية التي تستخدم حميدتي حاليا تريد توسيع عملية التجريف والهندسة الاجتماعية وتستخدم ذات المنهج فنشاهد تحول كوادر ونشطاء سياسيين إلى مجرد قونات في حملة التجريف والهندسة تزغرد رشا عوض وتنكع شبالها فوق كتف عبدالرحيم دقلو فيستحي بعض قادة قحت ويقيلونها فتذهب مغاضبة، فلا يلبث الناطق بكري الجاك ان يركب باروكة وينكع شباله مكان رشا عوض ثم يتبعه علاء نقد في ذات الحفل الماجن .. فما دام مسرح العبث منصوبا فلابد من راقصة وطبال والكثير من النبيذ !!
– [ ] وجوهر الأزمة الحالية هو تطورها من ازمة صراع بين مركز قابض للسلطة ومحتكر لوظايف الشأن العام على نحو عطل نمو الحياة وتطورها وجمد الدماء في شرايين الوطن، إلى ازمة تلاشي وانعدام الارادة السياسية التي كانت تقف وراء السلطة المركزية.
– [ ] وجد جبريل ومني مناوي ومالك عقار انفسهم مسؤولون في سلطة لا يستطيعون احتكارها او إصلاحها او مشاركتها مع جهات اخرى لان الجهات الاخرى تفضل ذهاب ريح الوطن على مشاركة جبريل ومني وعقار السلطة. مهما تجاوز المقاتلون السابقون للسلطة عن مظالمهم او تكشف لهم خطل بعض مزاعمهم السابقة فهم عاجزون عن تطوير تجاوزهم هذا إلى مشروع اصلاح سياسي لانعدام الشريك الذي يمكنه المساهمة معهم في عملية الإصلاح.