مقايضة الخرطوم بالفاشر!!
فيما أرى
عادل الباز
1
في حديثه الأخير مع مجموعة من الصحفيين ببورتسودان، استوقفتني جملة للرئيس البرهان قال فيها إنهم رفضوا (مقايضة الخرطوم بالفاشر.)!! ياترى ما الفكرة ومن هم الذين طرحوها؟ ولماذا ومتى، كل تلك الاسئلة اجاباتها غائبة عني، فطفقت اسأل الذين حضروا ذلك اللقاء من الصحفيين إن كانت هناك تفاصيل أخرى أو معلومات لم تنشر بعد اللقاء حول موضوع المقايضة تلك.
الحقيقة أن هذا الموضوع لم يتم التطرق له نهائياً في الميديا أو تنشر معلومة عنه أو تصريح في أي من الوسائط الإعلامية وقد أرهقني البحث، كما لم يرد على لسان أي متحدث من المتحدثين الأغبياء بتاعين الدعم السريع ولا متحدثي تقدم الذين لا يقدمون أية معلومات مفيدة ويرددون بـ(ببغاوية) كل ترهات متحدثي الجنجويد. سألت مقربين من الدعم السريع فعرفت أنهم لم يسمعوا بالموضوع..لم تبق جهة لم اتصل بها سوى الرئيس البرهان نفسه، وبما أن طريقي غير سالك مع الرئيس فضلت أن اذهب لتحليل تصريحاته حول الموضوع محاولة مني لفهم أعمق لموضوع المقايضة هذا.
2
ترى من الذى طرح مقايضة الخرطوم بالفاشر؟ من الواضح أن هذا الموضوع طرح من جهة ما في غرف مغلقة أو محادثات سرية أو عبر وسطاء، والجهة الوحيدة التي يمكن أن تطرح مثل تلك الفكرة هى متمردو الدعم السريع. لماذا.؟ لأن هذا المقترح من مصلحتهم ويخرجهم من مأزق الحرب كلها ويحققون مكاسب شتى إذا ما قُدر لهذا المقترح أن يجد سبيلاً للنفاذ…كيف؟.
مثلاً إذا وافقت الحكومة على فكرة المقايضة وهي تقوم على أن يُخلي متمردي الجنجويد الخرطوم ويغادرون لدارفور بكامل عتادهم، أي أن تستحوذ المليشيات على دارفور بينما يسيطر الجيش على باقي السودان ويعني ذلك أن الحكومة قبلت بتقسيم البلاد وبانفصال دارفور وتسليمها للمليشيات، وهذا يمثل الآن أقصى أماني المليشيا، دولة على نموذج دولة حفتر (بنغازي/ الفاشر) ولا يشترط الاعتراف بها ولكن العالم سيتعامل معها كذلك، كما تعامل مع حفتر وأرض الصومال، ريثما تستعيد المليشيات وحلفائها توازنهم فينهضون مجدداً لإكمال مخطط ابتلاع السودان كاملاً.
إذا حدثت تلك المقايضة إلى جانب الدولة الحفترية تكون المليشيا حققت عدة أهداف.
أولاً: احتفظت بقوتها وسلاحها إضافة لاستحواذ على إقليم كامل في حجم فرنسا مما يمهد لقيام دولة العطاوة المنتظرة.
ثانياً: مجرد الموافقة على هذه الفكرة سيحدث شرخ بين الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة الذين سيتهمون الجيش أنه تخلى عنهم وتركهم لضباع الجنجويد الذين لن يتوانى في إبادتهم بدارفور كما فعلوا ويفعلون الآن.
ثالثاً: بفعل تلك المقايضة تكون المليشيات قد سيطرت على كامل دارفور وشكلت تهديداً مباشراً للولايات الشمالية، إذ سيصبح الطريق مفتوحاً من الدبة إلى الفاشر، وحين تحين اللحظة المناسبة ينقضون على الولاية الشمالية بكاملها، بالطبع لن يتذكروا اتفاقهم ولا مقايضتهم.. لأن خيانتهم بلا سقف ولا أخلاق.
رابعاً: سيسيطرون على كل مناجم الذهب، من جبل عامر إلى جبال سنقو، غير الثروات والمعادن الأخرى التي تكتظ بها دارفور. وحينها يفتحون دارفور لحلفائهم لنهبها بالكامل. حين تحتكر الثروات وتتدفق على آل دقلو، تنفتح شهيتهم لابتلاع دول أخرى في الإقليم أولها دولة كاكا المتصدعة أصلاً واحتمال العبور للنيجر، وأصلاً أفريقيا الوسطى في مرمى نيرانهم، هنا تحقق أحلام تأسيس إمبراطورية العطاوة الكبرى بقيادة آل دقلوا ، ولما لا .. المقاتلون من عرب الشتات المرتزقة متوفرون بكثرة وكذلك الأموال المنهوبة، كذلك خزائن الحلفاء النهمين لنهب ثروات الشعوب، وكل ذلك سيتم تحت عين وحراسة وتغطية المجتمع الدولي المتستر أصلاً، بل المتماهي مع جرائم الجنجويد.
3
رفض السودان لتلك الفكرة وعرض المقايضة الغبية طبيعي، لأن السودان لا يكسب شيئاً وراء تلك المغامرة، بل يخسر كل شيء من الأرض، للحلفاء، للثروات، وأهم من هذا كله أن تلك الفكرة لن توقف الحرب بل ستزيدها ضراوة. ولكن هذا العرض في حد ذاته (المقايضة) يعطيك فكرة عن المدى الذي وصلت إليه أزمة الجنجويد في الحرب. فبعد فشل الانقلاب بالسيطرة على البلاد وكذلك فشلت الحرب في تحقيق هدف السيطرة، جاء عرض التقسيم (المقايضة)، وبعد الادعاءات بالسيطرة على 80% من البلاد (الأمر الذي فنده د. مزمل أبو القاسم) يكتفون الآن بدارفور وغداً قد يكتفون بمعبر (أدري).. ومن يدري!!.