فى سيرة مدير (النيل الأزرق).. حضور إعلامي لماح
د.عبد السلام محمد خير
حين يقال (دارالوثائق) فإنهم يقصدون (أبوسليم)- ذاك العالِم العَلم.. ومتى ما ورد إسم (حسن فضل المولى) فيا أيتها القناة تأكدي أن الخاطر (سرح ليك).. طلة مستطابه بين ضحايا حرب.. كأنها ما اشتعلت إلا لتجريد البلد من الوجوه النيرة والخطاب الشافي.. اللهم عودة لكلما استطاب، حمدا لله .. بقوا في بيوتهم بمقامهم المرموق.. شكرا لهم، وبشرى بقادم أذكى – رؤية، إنتاجا وكفاءة ومهنية.. ماذا تحتاج البلاد غير هذا، لتبقى أَبِية.. ولتنهض؟!.
في الإعلام وغيره هناك (نماذج) لا مجال لاستباحتها.. (النيل الأزرق) مثالا.. نحيي تميزها وصمودها وانبراء مديرها عمار إيلا لعودة تعيد للأذهان أنها بدأت عالية.. بشراكة بين التلفزيون وشبكة (ART) وشقت طريقها بالهامات أهل تجربة، يتصدرهم الأستاذ بابكر حنين بكسب تلفزيوني(إبداعي رسالي)..ثم أطل(عصر)حسن فأضاف وأبهج- إرسال على مدار اليوم، برامج تنافس نفسها.. لقد ورد (النيل الأزرق) بتجربة، وعينه على العالمية.. مدير بنكهة (الحضور اللماح)، جهير الرؤى، بليغ العبارة، تأصيلي الاقتباس، ملم بمفاصل الإنتاج، حسن التواصل مع المبدعين، متخذ قرار، يدير بشغف مستعدا للمغادرة – (أحدث نظرية في الإدارة)..من أنصار(المختصر المفيد) ومعناها في فلسفة الإدارة (تبسيط الإجراءات).. لاقيته يوم ترجل.. كأنه من اتخذ القرار!.. قصدت أن أجاريه في تبسمه (مقامك قادم، رجل دولة) – فكأنه ما سمعني!.. كنت أختزن تجربة.. ذات يوم شهدت البلاد (تشددا) فصدر قرار بتعيين مولانا دفع الله الحاج يوسف رئيسا للقضاء.. تساءل الصحفيون، لماذا هو بالذات؟!.. أجابهم الرئيس:(لأنه ملم بأوضاع المجتمع).. فهمنا أن الإقتراب من الناس (شهادة).
إعلامي (قدامك في أية مناسبة)!.. يكتب بما يحبس الأنفاس.. يذكرك بروفسور علي المك، والبرت مورافيا، وكاتب أمريكي كشف السر (إن القصص لا تحدث إلا أمام من يعرف كيف يحكيها)!.. إنه(حسن)!..يوم خرج يكتب جعلها (رواية) بطلها (علي شمو):( وأنا طالب بجامعة أم درمان الإسلامية في قيادة إتحاد طلابها عزمنا على تنظيم موسم ثقافي مشهود، فإتجهنا لوزير الإعلام رأسا!.. كانت المرة الأولى التي أجلس فيها إلى وزير، وجها لوجه.. لقد تبين لي يومها أن الوزير هو (علي شمو).. ومنذ ذلك اليوم ظللت أزن أي وزير بميزانه.. خاصة وإنني، من بعد، ومن خلال مسيرتي العملية، تعرفت على كثير من الوزراء، فوجدتهم كنبت الأرض (ونبت الأرض ألوان).. وأجدني اليوم أمتلئ يقينا، أن على شمو سيبقى فى تاريخ السودان المعاصر- من أهل الصلاح والنجاح والفلاح، الذين إنعقدت لهم رايات الحكمة والاستنارة وعلو الكعب)..كم قرأنا عن (شمو)وهناك من يفاجئنا!.
مضى(حسن) يعرفنا بمن كنا(نظن) أننا نعرفه:(الدرجات العلمية والمناصب والأوسمة والإسهامات الخارجية والداخلية، دون أن ينسى الحوار مع (الست)-(أم كلثوم).. و(يا فؤادي لا تسل أين الهوى.. كان صرحا من خيال فهوى)..و ..أغدا ألقاك؟!..وخصال للبروف، تواضع جم، شموخ العظماء، رسوخ الأصفياء، سطوع النجوم، فأين ما حل يغدق على من حوله من علمه وأدبه وبركاته.. الخلاصة أنه (دَرَّسَ، دَرَّبَ، أهْلَّ، صَقَلَ، وعَجَمَ من الأعواد ما كان لينا طريا، فأينما حل يغدق على من حوله من علمه وأدبه وبركاته)..ما شاء الله تبارك الله.
كلاهما بالإحتفاء جدير.. طالب إعلام يتناول بدراية سيرة (رمز إعلامي)فيجعلها سيرة بلد(مقاما وقيمة).. من السير ما يكفيك عنوانها: أزهري(الوطنية الخالصة)، عبدالله الطيب (العربية وعظمتها)، الفيتوري (دنيا أغلى أهليها سادتها الفقراء)، سوار الذهب (التواضع والزهد فى السلطة)، قاسم بدري (حفيظا على ميراث الآباء)، الجزلي(أسماء فى حياتنا)، الطيب صالح (الواقعية فى الأدب)..(إيلا) أنشودة التغيير..(القيمة) لدى طه على البشير هي (أن تكون شخصية ذات أبعاد وزوايا مؤتلفة ومشرقة)..يا سلام!..(يوصلها الحد) من هو التجاني حاج موسى(عشان تتعلم الغفران)!..القائمة ممتدة- الشيخ عوض الله صالح، دكتور عمر بليل، الفنان إبراهيم عوض، دكتور كمال شداد، الطبيب الشاعر الكوباني..و(يسألونك عن درمة) – خَضَّرَ الله ضراه.. مسك الختام (المجذوب وكابلي) و(ليلة المولد يا سر الليالي والجمال.. وربيعا فتن الأنفس بالسحر الحلال)..(صل يا رب على المدثر.. وتجاوز عن ذنوبي وأغفر.. وأعني بمتاب أكبر..فزماني ولع بالمنكر)- صلى الله عليه وسلم.
أسماء مرموقة تترى قرين قيم البلد فتعيدنا إلى بروفسور شمو (قيمة السعي المحموم الذي لا يهدأ لغرس فنون الإتصال ومناهجه وأساليبه والإعلاء من شأن الكلمة القاصدة فالإنسان هو ما يقوله ويفعله)..خاتمة المطاف نداء مستطاب: (فيا بنى السودان.. هذا رمز من رموزكم ..فقد أنعم الله عليكم أن جعل فيكم علي شمو، فبمن هم فى منزلته تنهض الشعوب وتطال الثريا، فكونوا كذلك تفلحون)..تذكرت ما ورد في كتاب (بصمات علي شمو)- للصحافي اللماح محمد الشيخ حسين:(حمدت الله أن زماني قد حباني بأن أعيش في عصر علي شمو)..قلت لنفسي(ونحن كذلك).. لقد أقبلت أيام كأنها انزلقت من زمان (شمو)، فأصبح من لوازم إنك (بتتعايش) مع غيرك أن يكتب عنك من هو(حسن فضل المولى) بروح مستبشرة تعززها السوابق:(من لم ينشر خبر زواجه في )أخبار اليوم( فهو لم يتزوج)!..مبروك سنقرأ عنك!.. قلتها لشخص مثير للجدل (يلاصقه) في مناسبة.. لم يحدث!.. لكاتب السيرة مقاييس.. قطعا.
كتب عن شخصيات جهيرة، فكأننا نعرفهم لأول مرة!.. عرفت الشيخ البرعي و(مصر المؤمنة)..لكني ما كنت أعرف إنها من مائة بيت!.. وإنها إحتفت بسيرة (71) من الأولياء.. كنت أظن أني على دراية بمصر فلقد عملت فيها، لكن(حسن) يبهرني بما كتبه: (القول ما قالت مصر، كذلك الفعل.. الحسن ما إستحسنت مصر.. أنت في مصر أنت منها، فإن لم تهتف يوما(ناااصر) فقد دمعت عيناك والست (أم كلثوم) فى الأطلال..(تحيا مصر)على كل لسان.. بإختصار، ما كتبه (حسن) عن محاسن مصر (ليالي حلمية) أخري!.
المعروف مجهول حتى تلوح محاسنه بين يدي قلمه.. كم من جميل ظل يتستر على دواخله..(فضل الله محمد) مثالا.. عرفته عن قرب.. فوجئت بسيرته مكتوبة، ثم على الهواء تروضه مذيعة سليلة الصحافة، تستدرجه بأسئلة وراءها معد شهير ومخرج مبدع – طاقم القناة جميعه كذلك.. يتململ، يناهض، ينازع، لكنه إثر (حاجة ركنية) يتبسم فيفيض.. (مدني)، (قلنا ما ممكن تسافر)، الجامعة، (أبقوا عشرة على المبادئ) إلى (رئيس مجلس الصحافة).. (فضل الله محمد) ومن سبقوا، سير بهيجة انسابت.. تصورتها في كتاب تدشنه الخرطوم ضمن أفراح عودتها- بإذن الله.. كنت إقترحت ذلك يوم نشر مصفوفة وفاء عنوانها (صلاح إدريس).. أستحسنتها من(حسن)..هذه وتلك أين وقعت من أنفس أصحابها؟.. ورد أنها أثلجت صدور حول الأمير محمد حاتم، إخترقت الأسوار لتسرى في المفاصل.
هناك سير(إشتهيت) لو كنت كاتبها!.. فالأستاذ أحمد عبدالحليم، سفيرنا في القاهرة (حسس)(حسن) وهو يجالسه (كيف تكون أخلاق النبلاء وكيف صنيعهم هو الندى والأدب والتواضع والأناقة والفهم، فلا تملك إلا أن تجله وتتحسر أن تظل هذه المعرفة حبيسة صدره لتذهب بذهابه).. لا حول ولا قوة إلا بالله.. فكأني من كتب هذا.. وأضيف، هو ممن يحسنون التعبير عن(الآخر).. يلامس نوازعهم، يرضيهم، يدهشهم بحقيقة (السودان يسع الجميع)!.
لكل مقام مقال.. سيرة طابعها(موقف) شكله (أبوعركي) مبدعا منحازا للوطن، يصله والي الخرطوم في بيته والحرب دائرة.. ما ورد عن (عبدالوهاب هلاوي) يبدو شعرا!.. فيه عرفان بتأثير من (إيدم لاحقة) على الشاشة.. تلوح أسماء لإعلاميين وصحافيين، كل بلمساته.. تترى الأسماء، فكأنك في حفل تكريم.. التلفزيون جعل تكريم المبدعين مظهرا لوجوده.. تجلى ذلك لدى وداع (حسن) للقاهرة، ملحقا إعلاميا..فى حفل أقامه (كابلي) إحتشد أهل الإعلام والصحافة و(جزلي) في التقديم ..(في عز الليل) تجلى كابلي في(سيرة حسن).. ثم دندن يؤجج الذكريات.
حديث الذكريات يعيدنا لقائمة من قرأنا عنهم.. الإمام (الصادق المهدي) – (الحبيب.. يسع الناس بلطفه وتواضعه).. يطل بنفسه مهندس الطيب مصطفى (نسيج وحده، إذا أقبل وإذا أدبر وإذا أمر وإذا ائتمر).. وهناك الوكيل عبد الدافع الخطيب (من أولئك الذين يفيضون عليك من الإعتناء والتلطف ما يغبطك ويسمو بك).. في (عالم حسن)أسماء تبدو حصرية (جمال الوالي)- رجل أعمال ملهم، (علي مهدي)- سعادة السفير، (صالح محمد علي) – (الصديق النِحْرير)، و(أبو حباب) المضياف.. في القاهرة، السفير الوزير عباس النور، مضوي خير الله (الصحفي النابه) ملتقطا لدرر (عم أحمد) كما يناديه الرئيس مبارك.
إنشغل البعض بتأويلات (نوازع حسن) – من هو؟!.. يجيبهم :(تفتحت عيناي على الدنيا في(الكتياب) – بلدة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء.. طفولتنا تتوهَّجُ، تتبارك بين يدي شيخ قائم في تحفيظ وتعليم القرآن، يغمرنا بمحبة لاأزال أتَقَلَّبُ في بركاتها وفيوضاتها.. نشأتُ بينهم، أُنفق إجازاتي من المدرسة مع عمي العالِم (جادالله دفع الله).. أحظى برعاية الرجل الأُمَّة(مساعد محمد الأمين)عليهما رحمة الله.. الحياة في (الكتياب) تمضي هادئة، هادرة أحياناً، ونحن نُسْلِمُ أنفسنا لتيارها، نُقبِلُ بنفوس راضية على كل ما يصادفنا.. كنت أجدني في براحات التصوف، والتِمَاس النفع والخير والبركة عند أهل الله، مصابيح الهداية.. وفى(كدباس) الرجل الصالح (الشيخ الجعلي) ينفَحَنا بالفاتحة من بعد أن ننتشي بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم .
(كنا لاهموم تسكن دروبنا) إلى أن حانت رؤية العالم الآخر (الخرتوم عموم)، الجامعة، (هاشم الجاز) والأتراب، المنظمة، الهجرة (وبرغم ألوان الشقاء والعناء والفاقة، التي كانت تلفني إلا أني مضيت في طريقي غير آبهٍ، تتقاذفني الأمواج من مرسى إلى مرسى، ومن مثابَةٍ إلى مثابة، متأجِّجُ الإحساس، أحْفَل بالعظيم و بالحقير، تمشي على قلبي الحياةُ و يزحف ُ الكون الكبير- كحال(الشابي).. هكذا كانت نشأة (حسن)- باركها الله .. وهكذا تواترت أذكار ومعارف وتجارب عبر سير منتجه – رحم الله من رحلوا منهم، وبارك في عقبهم وحفظ البلاد، أبية بالعلم والنبوغ.
لقد ورد الكثير في فضل السير (إنها آداب القوم) -الإمام أبو حنيفة، رحمه الله.. الأمر يحتاج لدراسة.. فوجئت بأكاديمية السودان لعلوم الإتصال ببحث عن (حسن فضل المولى) فتضاءل المقال .. لا عذر إلا إنه مكتوب لمن هم أكثر شغفا بما بين السطور.. وتبقى سيرة كاتب السيرة (هي الكلام)..إن (ما خفي أحسن).. وفى رواية (أبرك) – ففي الأمر (المدينة المنورة) على ساكنها أتم الصلاة والسلام.