“أحمد رضا دهيب أو في مقام الإنصاف”
السر السيد
ستجد الكتابة عن المؤلف المسرحي ومؤلف الدراما التلفزيونية والإذاعية والممثل والمخرج دهيب نفسها أمام تجربة برغم غناها وتنوعها واستمراريتها منذ النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، إلا أنها لم تجد الاهتمام الذي يليق بها من النقاد والباحثين، وقد يكون من بعض أسباب هذا الإهمال ولا أقول النسيان شخصية دهيب نفسه كشخصية ظلت وفي الغالب مثيرة للجدل، وقد يعود هذا للمسار المختلف الذي اختاره في معظم ما اتخذه من مواقف وفي ما أنتجه من فن، ففي المواقف التي تنشأ من أسئلة مجتمع المسرحين نقابياً وسياسياً نجده لا يسبح مع التيار السائد ونفس الشئ أو قريباً منه نلمسه في الكيفية التي يتعاطى بها في ما ينتجه من فن.
معضلة هذا المسار المختلف في أن مسرحيين كثر وبعضهم من المؤثرين يرونه تصادمياً أكثر من أنه حواري مع اعترافهم بأهمية ما نتج عن هذا المسار وما قدمه دهيب فنياً وفي الشأن العام كفاعل نقابي مؤثر ترأس الاتحاد لأكثر من دورة وكانت له إنجازات مشهودة، وقدم أعمالاً فنية جديرة بالقراءة النقدية ومن هذا المسار والنظرة إليه تشكلت (صورة دهيب) باعتباره شخصا تصادميا.. مثيرا للجدل.. تلك الصورة التي وضعته في ركن قصى حجبت القراءة النقدية الموضوعية لمواقفه ولفنه بل وخلفت حذراً منه طال حتى النقاد والباحثين.
ولكن من هو دهيب:
لن استرسل كثيراً في سيرته، فيكفي في مقام الإنصاف هذا، لا مقام النقد أو التوثيق أن أقدم بعض الإشارات حول هذه التجربة الطويلة المتنوعة.
تقول سيرته الفنية: إنه ولج إلى عالم المسرح في العام 1979 في مركز شباب بحرى بولاية الخرطوم، وبعدها شارك في مسرحية (التلغراف) التي عرضت في المسرح القومي في العام 1982، ضمن فرقة الصياد التي أسسها الرائد المسرحي الكبير الأستاذ محمد خير الصياد، وشارك كذلك ممثلاً مع الرائد المسرحي الكبير الأستاذ الفاضل سعيد في مسرحية (نحنا كدا).
بين التجول في دهاليز رواد المسرح الذين نال صحبة الكثيرين منهم والنهل من تجاربهم ثم المشي أكثر في عشق المسرح ليكون واحداً من الطلاب المميزين بقسم المسرح في الدراسات الإضافية التابعة للمعهد العالي للموسيقى والمسرح آنذاك.
هذا التقلب الحميم، القلق بين بعض الروافد التي تشكلت منها الحركة المسرحية الحديثة في السودان، إضافة إلى حضوره الفاعل، هو ما أنتج عدداً من الفرق المسرحية التي أسسها منذ مطلع الثمانينيات كفرقة (النهضة) التي خرجت مسرحيين يشار لهم الآن بالبنان كالممثل حسن يوسف الشهير بسيد جرسة والمؤلف خليفة حسن بلة وآخرين ثم أخيراً فرقة (هزار) وغيرها، كما أنتجت الكثير من الأعمال المسرحية والتلفزيونية، تأليفاً وتمثيلاً واخراجاً، كمسرحيات: (القرار.. ولدة خاسرة.. واحد + واحد=ستة.. ميت بمزاج.. وتكسر الزجاج.. عبدالفضيل يعلن غضبه.. القط الابيض.. دارفور سيرا على الحبل، وكمسلسلات: (وضاعت الشواطئ… عبدالقادر ودحبوبة… زينب نبع لا ينضب، إضافة إلى عشرات الأفلام).
على سبيل الخاتمة:
ثمة ما تجب الإشارة إليه فى هذه التجربة، وأولى هذه الإشارات هو استمراريتها وغزارتها، وثانيها ان الملمح الاساس فيها هي أنها كلها من تأليفه وإخراجه وإنتاجه وانه مشارك بالتمثيل فيها وأنها جميعا عرضت وشاهدها الجمهور، وثالثها أنها كشفت على الأقل بالنسبة لي عن القدرات الكبيرة للفنان دهيب، تحديداً في التمثيل والتأليف، ففي التمثيل يتوفر على طاقة (روحية) عالية تتبدى في معظم الأدوار التي قام بها في التلفزيون ويكفي أن نشير هنا إلى دوره في فيلم (الإعدام)، وفي الأدوار التي قام بها في المسرح ويكفي أن نشير إلى أدائه البليغ في مسرحية (عبدالفضيل يعلن غضبه)، أما في التأليف فسنقف على حضور خفي للقراءة خاصة في حقل المسرح والدراما وعلى الانطلاق من رؤية ما للحياة وللمسرح، إذ لا يمكن أن تكون مصادفة أن يستدعي عبد الفضيل الماظ ويضعه في جحيم التساؤل أو أن يستدعي عبدالقادر ود حبوبة أو أن يقارب قضايا الشباب كما في مسلسل وضاعت الشواطئ.
إنه يستحق الإنصاف في ما قدم من فن وفي حضوره في الشأن العام الذي يخص مجتمع المسرحيين، وأن تجربته جديرة بالقراءة النقدية.