لم يكتفوا بمنعهم من الهرب ولاحقوهم حتى في تشاد..
المساليت قصة الموت الذي وزع على الهوية
الأحداث – تقرير
بعد اندلاع المعارك في الخرطوم وتمددها في المدن المكونة للعاصمة ( أم درمان – الخرطوم والخرطوم بحري) ودخول بعض الولايات على خط التوتر تلبدت الأجواء في الجنينة التي تشكل محوراَ مهماً للدعم السريع وعرب الشتات بحكم موقعها الجغرافي وقربها من حواضنهم، فخلال أقل من أسبوعين من اشتعال المعارك في الخرطوم بدأت التقارير تتوالى عن سقوط عشرات القتلى والجرحى في معارك داخل الجنينة التي سرعان ما عرفت حالة من التفلت الأمني وانتشاراً لعمليات القتل والنهب.
فرار السكان
بدأت معركة في الحامية العسكرية سرعان ما انتقلت إلى المدينة ووجد السكان أنفسهم خلال ساعات في خضم معركة ليست بين الجيش والدعم السريع بل بينهم كمدنيين وبين مليشيا الدعم السريع التي انتشرت في المدينة وبدأت في السرقة والنهب والقتل على الهوية والاغتصاب، ما أجبر السكان على الفرار نحو الحدود ونحو أردمتا، وقال عشرات الناجين لرويترز وهم يصفون هذا اليوم إن مقاتلين من قوات الدعم السريع كانوا يجوبون المدينة بحثاً عن أفراد من قبيلة المساليت لقتلهم.. وانصب بحث القوات على منطقة أردمتا، وهي منطقة نائية في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور.
أحداث أردمتا
أردمتا هي منطقة تجمع لقبائل المساليت الذين طاردتهم قوات الدعم السريع من الجنينة وهم بالآلاف أقاموا معسكرات في المنطقة وسكنوها بعد مغادرتهم للجنينة بسبب حملات الدعم السريع.. بعضهم فر إلى تشاد وبعضهم أقام في معسكرات النازحين هذه. لكن قوات المليشيا لم تتركهم بل هاجمتهم بقسوة فقتلت عشرات الآلاف من سكان هذه المخيمات والأحياء المحيطة بها ومعظمهم من قبيلة المساليت، وتحدث عشرات الناجين من الهجمات لرويترز. وقال العديد منهم إنهم رأوا رجالاً من المساليت يتم اعتقالهم وإطلاق النار عليهم. وقال بعضهم إنهم رأوا أشخاصاً يمزقون إربا حتى الموت بالفؤوس والمناجل. ونقل مئات من المساليت إلى ملعب لكرة القدم في المنطقة حيث قال شاهدان إنهما رأيا أشخاصاً يعدمهم جنود المليشيا، وظلت الجثث المنتفخة ملقاة في شوارع أردمتا لبضعة أيام. وأُضرمت النيران في منازل وتعرضت للنهب وبعضها جرد من أي متاع بعد أن سرق اللصوص أجهزة التلفزيون وأدوات المطبخ وحتى الأبواب والنوافذ. وكانت اردمتا أحد الجيوب الأخيرة لتواجد المساليت في المدينة. وفي الأيام التي تلت الهجمات الأحدث، شاهد صحفيون من رويترز عشرات الأشخاص، بعضهم مصابون، يعبرون إلى مدينة أدري الواقعة على حدود تشاد مع السودان وكانت رويترز قالت إنها تحدثت مع أكثر من 70 شخصا من المدنيين الذين نجوا من المذبحة ووصلوا إلى تشاد. وأشارت إلى أنها أُجرت المقابلات في مدينة أدري عند معبر حدودي أثناء دخول الهاربين إلى تشاد وفي مواقع للاجئين في المنطقة.
هروب من الجنينة
لم يفكر جمال الذي يمتهن المحاماة في مغادرة الجنينة رغم حالة الفوضى والموت المنتشر في المدينة لكن مقتل والي الجنينة خميس أبكر والتمثيل بجثمانه منتصف يونيو وحالة الفوضى والعنف التي أعقبت ذلك دفعته لاتخاذ قرار الرحيل حاله حال الآلاف من سكان المدينة، يقول (بعد التعرض للهجوم قرب مقر الجيش في أردمتا قررنا ومعي مجموعة التوجه نحو الغابات في طريقهم للفرار من الجنينة نحو تشاد وكانت هناك عربات لقوات التحالف السوداني وكنا نمشى خلفها أملاً في أن توفر لنا هذه العربات الحماية.. لكننا تعرضنا لكمين قتل خلاله العشرات وأصيب آخرون وكنت أنا من بين من تم أسرهم)، ويضيف (إقتادونا إلى الأسر تاركين وراءنا ذوينا ممن سقطوا جثثا هامدة أو تركوا لينزفوا حتى الموت) ويتابع (كنا عدة مجموعات من الأسرى وكانت مجموعتي مكونة من ثمانية أسرى، كنت أنا أكبرهم سناً وتعرضنا جميعاً للكثير من الأهوال خلال تلك التجربة القاسية بل إن البعد العرقي كان حاضراً في كل المراحل إذ سئلنا عن خلفيتنا العرقية والقبائل التي ننتمي إليها) ويصف جمال معاناته الشخصية خلال تلك الفترة العصيبة.. يقول (أنا شخصياً لدي مشكلة في الكلى إذ أعيش بكلية واحدة وكنت أحتاج أن أشرب الماء لأني شعرت بتعب شديد وعندما طلبت الماء أجبرت على شرب مياه غير نظيفة من بركة وبعد ذلك ألقوني في البركة وقالوا لي أبحث عن أي شيء قد تجده في المياه) ويقول (كنت مقيداً وحاولوا ذبحي ووضعوا سكيناً على رقبتي ولكن أحدهم أسرع وأمسك يد زميله الذي حاول ذبحي وقال له إنه أسير لا يجوز ذبحه لو أردت قتله اقتله بالرصاص بعدها حاول هذا الرجل أن يطلق على الرصاص ويقتلني أثناء ذلك سألني هل نقتلك أم نطلقك؟ وأخيراً تركني ومن معي وابتعدنا مع المغرب عن هذا المكان وتمكنا من دخول تشاد بعد رحلة استمرت لسبع ساعات).
منع وفرار
وقالت “قسمة عبدالحفيظك وهي من سكان مدينة الجنينة هربت إلى تشاد وتحدثت لبي بي سي عما شاهدته وعانته على يد الجنجويد قالت (حاصرونا لمدة 20 يوماً منعونا خلالها من الخروج من مناطقنا لا ماء لا شراب لا أكل وعند ما استطعنا الفرار كان علينا المرور عبر 15 نقطة تفتيش تابعة لقوات الدعم السريع حتى نصل إلى تشاد وخلال مروري بهذه النقاط تم تفتيشي ونهب أغراضي ولو أردت عدم المرور بهذه النقاط التي كانوا يسرقون ويختطفون فيها الناس لقتلهم.. لو أردت عدم المرور بها كان علي المجازفة بالعبور عبر الخلا المفتوح وانتظار مصيري لأن قوات الدعم السريع تطارد الناس هناك وتقتلهم مباشرة).
وأضافت (رأيت بعيني أطفالاً يقتلون بالرصاص على يد مسلحي الدعم السريع في طريقي للهرب بجانب مستشفى الجنينة كانوا حوالي ثلاثة عشر طفلا بين الخامسة عشرة والسادسة عشرة من العمر قتلوا بالرصاص أمام عيني) وتابعت قسمت إنها علمت لاحقاً ان شقيقها الأصغر قتل على يد الجنجويد بعد أن رفض الانخراط في صفوفهم.
اقتحام واستهداف
ويروي بعضهم أن المليشيا استهدفتهم حتى وهم في بعض قرى تشاد إذ قالت خالدة عبدالرحيم وهي امرأة ثلاثينية لـ(بي بي سي) من مستشفي أدري حيث تتلقى العلاج هناك إنها كانت في إحدى قرى تشاد المحاذية للسودان عندما اقتحمها الجنجويد، وأضافت (كنا قد وصلنا إلى تشاد منذ أسبوعين بعد رحلة قاسية بسبب مطاردة الجنجويد لنا عندما سمعت صوت إطلاق نار خارج المكان الذي نقيم فيه فأخذت إبني محمد وركضنا نحو المدرسة ظناً منا أنها آمنة لكننا وجدنا مذبحة هناك إذ اقتحم جنود الدعم السريع والمليشيات العربية القرية فأحرقوا المنازل وقتلوا الناس بصورة عشوائية ووصلوا المدرسة بعد لحظات من دخولنا هناك)، وأضافت كنت أضع إبني بين ذراعي عندما دخلوا عنوة وبصورة مفاجئة أطلقوا النار على القفل وفتحوا الباب بهذه الشاكلة.. اخترقت رصاصة كتف محمد ووصلت إلى صدري فسال الدم على جسدي لكنَّني تشبَّثت به وركضنا هرباً من المكان). وقالت (رأينا الكثير من القتلى يومذاك ونحن نهرب من المكان) وتابعت (لم يكتفوا بتصفية الهاربين ونهبهم في الطريق إلى تشاد لكنهم استهدفونا في تشاد نفسها ودخلوا القرى المحاذية للحدود ونشروا فيها الفوضى والموت والويل لمن يعرف هؤلاء أنه من المساليت عندها سيقتل مباشرة).