بعد ظهور عزت في غرفة البث التلفزيوني، التفاصيل الصغيرة تهزم المخططات الكبيرة
تقرير – أمير عبدالماجد
عندما أعلن رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان إنهم بصدد بث فيديوهات تثبت وجود المليشي يوسف عزت داخل غرفة البث بالتلفزيون في اليوم الأول لم يكن الهدف من التصريح شرح دور يوسف عزت كشخص لان يوسف عزت ليس مهماً في سياق الحرب كشخص، ما يهم هنا هو أن وجوده في غرفة البث كان كممثل للدعم السريع أراد أن يبث بياناً يعلن فيه سيطرة المليشيا على السودان وهي إشارة إلى الجميع بأن الأمور قد دانت بصورة مؤكدة للمليشيا.. ظهور عزت في الساعات الأولى للحرب داخل مبنى التلفزيون يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنهم من أطلق الطلقة الأولى ومن سعى لقلب نظام الحكم والسيطرة على البلاد بعمل مخطط له مسبقاً وبأدوار موزعة تماماً بين العسكريين والسياسيين، لكن يبدو أن من خطط لم يلتفت كثيراً إلى التفاصيل الصغيرة التي هزمت في النهاية هذا المخطط الكبير خلال الساعات الأولى من يوم 15 أبريل.
تشغيل أجهزة
فالمخطط لم يضع اعتباراً للحرس الرئاسي وحرس الفريق أول البرهان وأعتقد أنه قادر على هزيمتهم واعتقال رئيس المجلس السيادي أو قتله لكنه فوجئ ببسالة هذا الحرس الذي منعه من تنفيذ مخططه الذي لو تم لتغيرت مجريات كثيرة.. ثم أن المخطط لم يضع بدائل لتشغيل التلفزيون حال لم يجد من يشغل له أدوات البث صباح ذلك اليوم.. لو إمتلك كوادر قادرة على تشغيل الأجهزة ورفع الصورة إلى الاقمار الاصطناعية لتغيرت أمور كثيرة في الحرب.. وهذا يعيدنا إلى إفادة كان قد أدلى بها الصحافي عثمان ميرغني عندما أكد أثناء لقاء جمعه بقائد التمرد محمد حمدان دقلو قبل أسبوعين من محاولته قلب نظام الحكم والاستيلاء على السودان أن الرجل كان يتحدث بثقة كبيرة عن مخططه وأنه من فرط ثقته في نجاح مخططه لم يضع مخططات بديلة يلجأ إليها في حال فشل المخطط الرئيسي.. كان واثقاً من نجاح مخططه فمنذ الوهلة الأولى سيضع يده على البرهان وكل الطاقم القيادي للجيش ثم يذيع ضابط من الجيش بياناً يعلن فيه أنهم تسلموا السلطة باسم الشعب والديمقراطية واعتقلوا أو قتلوا البرهان لأنه كوز وإمبريالي ورفض التوقيع على الاتفاق الإطاري قبل أن يستلم حميدتي الأمور كلها رسمياً ويصبح رئيس مجلس السيادة وحاكم السودان.
مخطط وفقاً للظروف حينها متماسك وناجح بدرجة كبيرة لولا أنه لم يتفطن إلى أن التفاصيل الصغيرة قد تهزمه وتقود إلى تحولات كبيرة. فوجود الضباط مع البرهان في مقره كان تفصيلاً صغيراً بالنظر إلى حجم قوات حميدتي التي هاجمت المقر وبالنظر إلى أن عنصر المفاجأة كان إلى جانب حميدتي ومجموعته ورغم ذلك تغلبت هذه المجموعة الصغيرة على المخطط وأنقذت قائد الجيش من الاعتقال أو الموت، واعتقاله أو قتله لو حدث وقتها سيحدث تحولاً كبيراً في الأحداث لأن وجود قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة معتقلاً لدى الدعم السريع كفيل بانهيار السلطة القائمة.
ضعاف النفوس
أما التحول الكبير الآخر الذي أفسدته التفاصيل الصغيرة فكان في الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون التي كانت مليشيا الدعم السريع أصلاً متواجدة بمبانيها إذ أسندت له قيادة الدولة مهمة حماية المبنى منذ سنوات لذا كان منطقياً أن يسيطر الدعم السريع على مباني الهيئة مباشرة لكنه فشل في تشغيلها لأنه لم يهتم بتفاصيل صغيرة وهي توفير كادر مؤهل قادر على القيام بالعمل وتأمين مقر هيئة البث في الفتيحاب .. هذه التفصيله هزمت الدعم السريع وممثله يوسف عزت الذي رابط هناك من أجل إذاعة البيان دون جدوى لأن أحد ما عطل أجهزة البث بين مقر التلفزيون والفتيحاب، ربما عطلها من هنا أو هناك المهم أن العطل كان في البث وليس في التسجيل أو عمل الاستديوهات هذه اعتقد كانت متاحة.. إشكاليته كانت مرتبطة بالمهندسين وليس الفنيين المتخصصين في التسجيل أو الإخراج أو الإضاءة أو الصوت أو ما شابه بدليل أننا رأينا أحد موظفي التلفزيون في الصور مع يوسف عزت يقول محمد الأمين سرور وهو مهندس متخصص في البث التلفزيوني يعمل في الخليج وسبق له العمل في تلفزيون السودان (معلوماتي أنهم رتبوا لكل شيء وكانوا يعتقدون أن الأمر مرتبط فقط بالتسجيل متى سجلوا بيانهم فإن البث متاح ولم يخطر ببالهم أن أحد ما في مكان ما قد يفصل البث ويصعب الأمور عليهم)، وأضاف (معلوماتي أيضاً أنهم استعانوا ببعض من ضعفاء النفوس أو ربما حتى لا نظلمهم، بعض من تم إرهابهم وإرغامهم على العمل استعانوا بهم وهؤلاء أنجزوا مهمة التسجيل والمونتاج)، وتابع (ماحدث بعدها أنهم حاولوا التواصل مع عدد من المهندسين لمعرفة سبب انقطاع البث لكنهم لم يصلوا إلى نتيجة لأن المهندسين أنفسهم لايعلمون سبب انقطاع البث بسبب وجودهم خارج المبنى ولان التفاهمات تمت من خلال الهاتف).
مخططات واضحة
ويقول الباحث السياسي وأستاذ العلوم السياسية أحمد عمر خوجلي إن ما خرج الآن يبين بوضوح أننا أمام عمل رتب له وأن ماحدث عمل ممنهج وفق مخططات واضحة وإلا ما الذي يجعل جهة عسكرية فوجئت بمن يهاجمها ترسل مبعوثها في الساعات الأولى للحرب ليذيع بياناً للناس بأنهم استلموا السلطة)، وأضاف (هذه الفيديوهات واضحة وكاشفة وتبين أن المليشيا خططت بالفعل لاستلام السلطة وابتلاع السودان)، وتابع (هذه الفيديوهات حسمت جدل من أطلق الطلقة الأولى).