رأي

“المَجَرْتَقْ بالتراب”… لن يعود السودان كما كان

محمد عبدالله

 

ليست رمزية محمد صديق في ذاته كسوداني طبيعي وضابط سابق في القوات المسلحة.. إنما رمزيته الحقيقية في أنه يستطيع أن يقول “لا” في زمانٍ عزّ فيه الرجال وأن يتحمل تبعات هذه ال “لا”.

ربما يعبّر محمد صديق عن ثورية وقلق وتمرد الكثير من شباب السودان لكنه أكثر منهم قدرة وجرأة على دفع فواتير ثوريته.

لم تكن هنالك نهاية لتليق به أكثر مما وجد. ولم تكن طبيعة شخصيته لتناسب شهادة عادية تمتطي طلقةً أو دانة أو لغم ليجده رفقائه بعدها و هو مسجىً في هدوء دون مقدمات.

 

هي حكمة الله أن يجعله رمزاً ثائراً في لحظة إلتقاء الزمان والمكان بشبابٍ يحلم بوطن أفضل ضارباً بقوانين البزة العسكرية التي يلبسها عرض الحائط وليجعل نجمتيه الوحيدتين على كتفه مهراً لفجرٍ أفضل تسلل إليه في كالح ليله ضباع المنتفعين وثعالب الهوان السياسي.

ولمّا تمخض “الحمل الكذوب” لضباع السياسة والعسكر المرتعش وجيف المليشيا عن حربٍ استهدفت السودان في صميم أهله وتاريخه وجغرافيته لم يجد محمد صديق في كنانته سوى أن يتبع إحساسه وكرامته ورجولته فعاد وهو أولى الناس بالإبتعاد والوقوف في الظل أو الخروج من المشهد فقد دفع نصيبه من الثمن قبل هذا… ولكن هذا هو قدر “الأرواح القلقة”.

 

كان مشهد أسره عبارة عن “طلقة أخيرة” في قلب سوداننا الذي كان…. لم يكن ثباته هو البطل فيه وإنما تهافت الذين أسروه في محاولة إذلاله فهم يدركون جيداً أنهم لا يتعاملون مع مجرد أسير وإنما هو رمزٌ لمن يستطيع أن يقول “لا” من أهل السودان.

لم تكن الصفعة في وجه الشهيد محمد صديق وإنما كانت “بصقة” في وجه وكرامة أي سوداني لديه في قلبه ذرة من صدق ورجولة وانتماء.

لا أعتقد أن السودان الذي نعرف سيعود دون “جراحات مؤلمة” ودون بتر الكثير من الأعضاء التي نخرت كثيراً في تماسك وسلامة الفؤاد والوجدان السوداني.

محمد صديق بشهادته هذه نقل الصراع من خانة السلطة والجيش والمليشيا إلى خانة الصراع حول قيم الحق والكرامة وأساسيات المواطنة.

لن يسلم أحدٌ من دمِ محمد صديق ولو بعد حين… ستطال ثأراته كل من ولغ في أذى هذا الشعب المغلوب. لن تطال لعنة ثأره هؤلاء الضباع الذين كانوا يتراقصون حوله فقط… وإنما ستطال هذه اللعنة أيضاً كل النياشين والنجوم المرصعة التي ارتعشت وباعت وخانت وكل العمم وربطات العنق الأنيقة التي تقبع خلف شعاراتها الكذوب وهي تحمل قميص عثمان السوداني عساها تنال به سلطةً سراب.

إلى جنةٍ عرضها السموات والأرض محمد صديق.. هنيئاً لك ما دفعته من مهرٍ لسودانٍ أفضل مثلك لا ولن يموت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى