نسج التحالفات الخارجية الجديدة (1-2)
فيما أرى
عادل الباز
1
تكشف تحركات الدبلوماسية السودانية الأخيرة عن توجهات جديدة للسياسة الخارجية في السودان لم تكتمل ملامحها ولكنها تبعث بكثير من الإشارات التي تشيء من خلال تتبعها إن السودان مقبل على انعطافة كبرى في علاقاته الخارجية. الآن لماذا يبحث السودان عن تحالفاته خارج نطاق حيزها الجغرافي الحيوي؟. كشفت مواقف دول الإقليم العربي من الحرب التي اشتعلت في السودان أنه لا يتمتع بأي سند حقيقى أو دعم من أشقائه العرب، إذ تأرجحت مواقف الدول العربية بين العداء المطلق ودعم الحركة المتمردة على سلطة الدولة السودانية وبين الصمت وتجاهل النزاع الناشب في السودان إلى محاولات توسط يائسة لم تقدم أي حل للحرب التي أكملت عامها الأول.
2
هذه المواقف التي ينظر إليها السودانيون بشيء من خيبة الأمل إذ كانوا يتوقعون أن يهب الأشقاء للوقوف مع الجيش السوداني الذي طالما قدم نفسه في الصفوف الأمامية للدفاع عن قضايا العرب منذ حرب أكتوبر ١٩٧٣ إلى حرب اليمن. التي لا يزال الجنود السودانيون يرابطون على حدود اثنين من الدول العربية.
ترافق هذا الموقف العربي مع مواقف أشد غرابة من قبل الدول والمنظمات الأفريقية على السواء. في بداية الحرب اتخذت إثيوبيا وكينيا موقفاً معادياً للسودان منحاز بوضوح لحركة التمرد التي قادتها قوات الدعم السريع بل وانتقلا بموقفهما لتجيير المنظمات الإقليمية (الإيغاد/ الاتحاد الأفريقي) لصالح أطروحات التمرد ورؤيته لوقف الحرب بناء على شروطه. إلى ذلك بدأت مواقف بعض دول الجوار محيرة إذ فتحت ليبيا وتشاد جارتي السودان على حدوده الغربية أراضيهما لإقامة معسكرات لقوات الدعم السريع المتمردة وتوليا كافة أنواع الدعم من الأسلحة للطعام لإقامة معسكرات للتدريب ومستشفيات لعلاج المقاتلين من الحركة المتمردة.
3
قاد هذا الموقف إلى تجميد السودان عضويته في منظمة الإيغاد، والابتعاد عن مبادرات الاتحاد الأفريقي وخاصة أن السودان جرى تجميد عضويته بقرار من الاتحاد الأفريقى قبل عامين مما قاد الحكومة السودانية لإعلان عدم اعترافها بأي منبر تفاوضي سوى منبر جدة. بناء على تلك المواقف خرجت أفريقيا من دائرة التأثير في مجريات الأحداث إذ لم تعد وسيطاً نزيهاً مرغوباً فيه من الطرف السوداني.
إزاء هذه المواقف العربية والأفريقية التي اعتبارها السودان مناصرة وداعمة للتمرد بدأ السودان رحلة البحث عن حلفاء موثوقين يمكن الاعتماد عليهم في دعم سياستها الخارجية ومجهوداته الحربية.
4
في الجانب العربي اختار السودان أن يوسع علاقاته مع دولتين خارج الإقليم الأفريقي، فاختار قطر التي تمتد جذور علاقتها مع السودان إلى سنوات طويلة ولها تدخلات إيجابية في الشأن السوداني وخاصة في الشأن الدارفوري حين استضافت قطر لمدة ثلاثة أعوام مفاوضات شاقة وطويلة توجت بما عرف باتفاق الدوحة. كما أن قطر بعيدة عن تقاطع الصراعات في الإقليم وعلاقتها مع كل دول شرق وغرب أفريقيا التي تحادد السودان متميزة وتحظى دبلوماسية قطر باحترام الجميع في القارة مما يؤهلها للعب دور هام في الأزمة السودانية وخاصة أنها موضع ثقة جميع الأطراف.
إضافة لهذا الدور المرغوب والمطلوب الآن أن السودان يرغب في دور آخر اقتصادي لقطر في ظل الظروف التي يعيشها من اختلال ميزان مدفوعاته وتوقف ٩٠٪ من إيرادات الدولة إضافة إلى أعباء الحرب المستمرة والتي لا تلوح لها نهاية قريبة في الأفق. يمكن لقطر دعم السودان من خلال شراكات ذكية في مجال تصدير الذهب وهو المورد الأساسي الذي يعتمد عليه السودان الآن في تسيير دولاب الدولة ودعم المجهود الحربي كما يمكن لدولة قطر منح السودان ودائع بنكية تساعد في استقرار سعر الصرف المتدهور باستمرار نتيجة لتداعيات الحرب. كما يهدف السودان أيضاً للاستفادة من علاقات قطر الممتدة مع تركيا وإيران لفتح مسارات جديدة في العلاقات مع هاتين الدولتين.
# تم نشر هذا المقال في موقع تي آر تي عربي وأجرى الكاتب بعض التعديلات عليه ويعيد نشره الآن.