خروج الدولة من النشاط الاقتصادي.. القطاع الخاص يتمدد
تقرير – ناهد أوشي
تزداد وتيرة مطالبة الدولة بالخروج من قطاع الإنتاج والتجارة ودورة الاقتصاد وترك الأمر للقطاع الخاص حتى يقوم بكافة النشاط الاقتصادي من خدمات وقطاعات زراعية وصناعية وتجارة، ويشدد رئيس شعبة مصدري الجلود خالد محمود على أهمية خروج الدولة من الإنتاج والخدمات لصالح القطاع الخاص لكنه نبه لضرورة وجود آلية ضبط ومراقبة دقيقة حتى تستطيع الدولة أن تحكم المسألة وأن تأخذ حقوقها، وقال إن ترك الأمر للقطاع الخاص دون مراقبة وأحكام فان إيرادات الدولة ستضيع سدى ولن يتمكن القطاع الخاص من النهوض بالأعمال الموكلة له.
نمو القطاع الخاص:
وقال محمود في حديثه ل”الأحداث” إن خروج الدولة من القطاعات الزراعية والصناعية تشكل فرصة لنمو القطاع الخاص ويكون هنالك تطوير للآليات والمعدات والتكنولوجيا، وأضاف أن هذه الخطوة لا تتم بصورة عشوائية أو على عجالة بل لابد من الترتيب بصورة جيدة تمكن الدولة من حقوقها وإحداث التطوير المطلوب.
أزمة إدارة الاقتصاد
ونبه الخبير الاقتصادي هيثم محمد فتحي إلى ضرورة خروج الدولة من الاقتصاد، وقال “كما دخلت بحماس كبير عليها الخروج منه بحماس أكبر”، وأضاف أن الأمر لم يعد مطلباً محلياً لكنه أصبح مطلباً عالمياً ويجب تقديم الشركات للبيع بروح مستثمر وليس بروح الدولة.
وأكد أن الأزمة في السودان هي أزمة إدارة للاقتصاد، وأن الحكومة لا تملك عقل المستثمر، ولابد أن يكون هناك فكر استثماري لنشهد تطوراً كبيراً.
وقال إن إنتاج الدولة يمثل عبئاً على الاستثمار وعلى الدولة نفسها نظراً لظهور العديد من المشاكل الاقتصادية التي مر بها الاقتصاد منها تزايد حدة الاختلالات الهيكلية وتردي مستوى معيشة المواطنين بسبب السياسات الانغلاقية والتمسك بتبني أسلوب إدارة الاقتصاد الموجه مركزياً، مع إهمال اقتصاد السوق وآلياته، وأردف “لذلك لابد من تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار، والمشاركة في كافة المجالات الاقتصادية ومحاولة تفعيل قوى السوق”.
خارج التغطية
وأشار الأمين العام لغرفة مصدري الجلود محمد علي حسن لانزواء دور القطاع الحكومي بسبب إجراءات إزالة التمكين وأصبح خارج التغطية منذ العام 2019، مشيراً إلى أن هنالك شركات كانت تتبع للثروة الحيوانية وأخرى تتبع للبترول حيث كانت توفر السلع للمواطنين وما بعد 2019 بدأت تخلق واجهات أخرى من خلال القطاع الخاص مثلاً شركات البترول التي كانت شركات عامة الآن خصصت لشركات قطاع خاص (نبتة، قادرة، النحلة) رغم أنها شركات قديمة لكن هيمنت على عمل البترول بعد 2019 وخلقت بدائل في القطاع الخاص مثل الغاز، الصمغ العربي، القطن، الثروة الحيوانية.
ونبه إلى أن 90% من قطاع الثروة الحيوانية قد استولت عليه مليشيا الدعم السريع بما فيها الجلود وصادر الحيوانات الحية (الأبقار، الإبل، الضأن) بجانب قطاع الذهب حيث استولت عليه شركات ضخمة وهيمنت عليه تلك القوات بجانب الزراعة حيث بدأت الشركات الإماراتية تدخل في مجال الاستثمار الزراعي في نهر النيل، وأشار إلى أن كل القطاعات الاستراتيجية التي كانت تدخل فيها الدولة عبر شركاتها تم القضاء عليها وأصبحت خارج الخدمة إضافة إلى عدم وجود الأمن والاستقرار للحكومة والمواطن بسبب الحرب التي دخلت عامها الثاني وأثرت على المواطن والقطاع العام والخاص.
شراكة بين القطاعين
وشدد حسن على أهمية وجود القطاع العام في الاقتصاد لتوفيره احتياجات المواطن من السلع بأسعار مقبولة ودعمه المواطن والسوق، وقال إن غالبية الشركات والمصانع كانت متمركزة في المنطقه الصناعية بحري وبسبب الحرب تم تدمير كل البنى التحتية للمصانع، وقطع بأهمية وجود القطاع العام في الدورة الاقتصادية، وقال “للأسف القطاع الخاص ليس لديه إمكانية وقدرة على توفير مقومات التصنيع، وأضاف أن تكلفه إنشاء مدبغة للجلود تصل إلى مليون دولار، ونبه إلى ضرورة تفعيل شراكات ذكية ما بين القطاع العام والخاص حتى تدفع بعجلة الاقتصاد والإنتاج للأمام.
تمويل العمليات الإنتاجية
بالمقابل قال رئيس شعبة مصدري الماشية خالد المقبول إن الإنتاج الزراعي والحيواني يقوم به القطاع الخاص، وأضاف “حتى المشاريع الحكومية مثل مشروع الجزيرة أساسه المزارع الذي يقوم بزراعة المساحات ومن ثم يأتي دور القطاع الصناعي والخدمي وقطاع النقل وقطاعات الصحة والتعليم والاتصالات فالدولة في أي اقتصاد معافى هي منظم ومسهل للعمليات الاقتصادية ودور الدولة في العمليات الإنتاجية يكون من خلال تمويل العمليات التي يتقاصر رأس مال القطاع الخاص عنها وتكون الأرباح غير مجدية أو جاذبة للقطاع الخاص”، وقال “يأتي هنا دور الدولة لملء هذا الفراغ وتدخل في تلك العمليات وتكسر حاجز التكلفة والأرباح بحيث يصبح جاذب للقطاع الخاص”.
وفيما يلي قطاعات النقل شدد على أهمية أن تعمل بها الدولة وتنظمها، وقال إن عدم وجود الدولة في خدمة النقل العام (المواصلات) تعتبر مشكلة لأن صاحب المركبة لا يلتزم إلا بمصلحته الشخصية من حيث تقديم الخدمة والتعرفة.
خط أحمر
واعتبر المقبول قطاع النقل العام خط أحمر، وقال لابد للدولة من الدخول فيه من حيث التنظيم ومراعاة الشمولية والديمومة والتغطية الشاملة لكافة أصقاع البلاد عبر شبكة متكاملة بحيث تخدم كل القطاعات، أما القطاع السككي والنهري يمكن للدولة أن تدخل فيه كشريك أو مسهل، وفي ظل مشاكل وحروب سياسية وحروب إقليمية وتقاطعات المصالح تظهر أهمية وجود خط ناقل سوداني يستطيع تغطية فجوة الخطوط التجارية الدولية، وأضاف في ظل وجود خطوط النقل الجوية الخاصة من المهم أيضاً وجود طيران الدولة ومن ثم وجود شركات القطاع الخاص كمنافس بجانب النقل السككي يمكن للدولة أن تقوم بإنشاء البنى التحتية والخطوط العريضة والسريعة ومن ثم يمكن أن تدخل شركات القطاع الخاص كشريك في التشغيل واستجلاب القاطرات، أما الخطوط وتركيبها وبناء الهياكل وشق الطرق فهي مهمة القطاع الحكومي ولا يستطيع القطاع الخاص إنجازه بمفرده ويمكن العمل بنظام البوت وتقديم الضمانات الكافية.
انسحاب تدريجي
أما بشأن دخول الدولة في التجارة والصناعة نبه خالد إلى ضرورة أن تكون بعيدة عنها تماماً وتنسحب منها فقط تقوم بالصناعات الاستراتيجية الكبيرة لأنها تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة قد لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها بمفرده ويمكن أن تقوم الدولة بإشراك القطاع الخاص تدريجياً إلى أن يقوى عوده ويصبح لديه أرصدة من الأرباح تمكنه أن يتملك المشاريع الصناعية الاستراتيجية بالتكامل مع شركاء آخرين وتأخذ الدولة أنصبتها كما هو موجود في أمريكا حيث تقوم الشركات الخاصة بتصنيع الأسلحة وتقوم ببيعه للدولة، ونبه لاختلاف دور الدولة في دول نامية مثل السودان عن دورها في دول متقدمة.