رأي

حميدتى .. لماذا صنعوه ؟ (المقال الثالث)

سلمى حمد 

 

 توطئة :—

تهدف سلسلة المقالات هذه إلى رصد وتحليل المراحل والأسباب التي حولت الدعم السريع من قوة شبه نظامية مساندة للقوات المسلحة إلى قوة موازية محاربة للجيش .. وكيف تطور طموح  حميدتي من السعي لكسب رضا قيادات الدولة والجيش إلى  السعي إلى قيادة الدولة وتفكيك الجيش.. وكيف ولماذا لعبت قوى سياسية محلية وقوى إقليمية وأخرى دولية أدوارا هامة في تغذية هذا الطموح وهندسة هذا التحول.

تنوية:–

في المقالين الأولين تكلمنا عن أبرز أطراف المؤامرة على السودان ونعود في هذا الجزء وما يليه لتتبع سير الأحداث وخطوات التآمر.

 

ما قبل الكارثة  

 

  الاكتشاف :-    

 

  10/مايو/2008 هاجمت حركة العدل والمساواة بقيادة د.خليل إبراهيم العاصمة الخرطوم فيما عرف بإسم (عملية الذراع الطويل) فشلت العملية ولم تحقق نجاحاً ملموساً.. إلا أن تمكنها من بلوغ الخرطوم دق ناقوس الخطر وكشف عن قصور كبير في تعامل حكومة السودان مع ملف الحركات المسلحة الدارفورية وبعد أخذ ورد تم الاتفاق على إعادة أحياء وتطوير فكرة قوات المراحيل أو قوات الدفاع الشعبي التي تكونت في عهد الصادق المهدي عندما قام اللواء فضل الله برمة ناصر وزير الدفاع بتسليح  القبائل العربية مكوناً منهم قوات تقوم بالتصدي لعدوان الحركة الشعبية.. في العام  2013 تم إنشاء تلك القوة التي جمعت بين مليشيا الجنجويد (كان بعضهم من بقايا قوات المراحيل) وقوات حرس الحدود وأطلق عليها اسم قوات الدعم السريع وهي قوات ذات طبيعة مرنة سريعة الحركة خفيفة التسليح تتلاءم وطبيعة حرب دارفور ذات الطابع الأقرب (لحرب العصابات) وأسندت قيادتها ل(محمد حمدان دقلو) المنشق عن الزعيم (موسى هلال)، المتصف  بالكاريزما العالية والذكاء مع الشجاعة والطموح الجامح.. تم إلحاق الدعم السريع بجهاز الأمن والمخابرات الوطني وكلف بمحاربة حركات دارفور ولاحقاً أضيفت إليه مهام مكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية والمهمة الأخيرة هذه كانت بوابة لشر عظيم (تشير التقييمات المستقلة التي أجرتها أوكسفام و SOAS وتقارير في وسائل الإعلام السودانية المحلية إلى أن أنشطة عملية الخرطوم في السودان عرّضت الأرواح للخطر ومكّنت المتجرين. وقد أدى ذلك إلى رفض الاتحاد الأوروبي لها ولم يتغير شيء في تنفيذ البرنامج باستثناء زيادة التمويل ) لويز سوليفان مستشار من أجل “إدارة أفضل للهجرة”  2017-2019. نُشر في مايو 2021..(راجع المقال الثاني) …

ألحق الدعم السريع هزائم قاسية بالحركات المسلحة في عدة معارك أبرزها معركة دونكي البعاشيم 2014 ضد جيش تحرير السودان. ومعركة قوز دنقو 2015 ضد حركة العدل والمساواة.. ثم معارك  الصيف الحاسم 2015 التي خسرت فيها الحركات المسلحة قوتها الضاربة واستطاع الدعم السريع بعدها فرض سيطرته على كامل إقليم دارفور وأجبر الحركات على التقهقر واللجؤ  لدول الجوار.

 

حرب اليمن :–

 

 في العام 2015 شنت السعودية حربها على الحوثيين بمشاركة عدة دول من ضمنها  السودان..

 شارك الدعم السريع  بالعدد الأكبر من الجنود.. أما القوات المسلحة فقد كانت مشاركتها النوعية تحت إشراف الفريق عبدالفتاح البرهان.. وكان المسؤول الأول عن ملف مشاركة السودان في عاصفة الحزم هو الفريق أمن طه عثمان الحسين مدير مكاتب رئيس الجمهورية الذي اتهم  لاحقاً بالعمالة وغادر السودان مشمولاً بعفو رئاسي ووساطة سعودية.

 في تلك المرحلة تكررت رحلات حميدتي إلى الإمارات وتوطدت علاقته بحكامها وانفتحت أبواب أخرى للشر.

نيويورك تايمز 28 أبريل 2019: (واشنطن تركت مصير السودان للإمارات والسعودية)  (راجع المقال الأول) ..

حميدتي اسم يتردد:-

 

في العام 2017 أجاز البرلمان قانوناً تم بموجبه تحويل تبعية الدعم السريع من جهاز الأمن والمخابرات الوطني إلى مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة (المشير البشير).

وشهد نفس العام وهو العام الذي سبق اندلاع ثورة ديسمبر (المصنوعة) نشاطاً إعلامياً كثيفاً لقائد قوات الدعم السريع الهدف منه هو نحت اسم حميدتي في ذاكرة الشعب السوداني تمهيداً لدوره القادم.. ضجت الصحف والقنوات التلفزيونية ومواقع السوشيال ميديا حينها بأخبار حميدتي ولقاءاته و تصريحاته.

أبريل 2019:–

  . عندما سمع أهل الخرطوم واحتجاجات ديسمبر في أوجها عن مقدم حميدتي وقواته لم يخامرهم شك حينها في أنه جاء ليساعد في قمع الاحتجاجات، ولكنه فاجأهم بموقفه المغاير عندما خاطب قواته على مشارف الخرطوم قائلاً:  أنهم لن يتدخلوا ولن يقمعوا الاحتجاجات.. كان خطاباً موجهاً للمحتجين وقد فهموه واطمأنوا به.. ومن الحقائق التي تكشّفت لاحقاً أن قدوم حميدتي وقواته إنما كان بتنسيق كامل مع قحت وتجمع المهنيين وبرعاية إماراتية ورضى دولي.

انتشرت قوات حميدتي وطوّقت القيادة العامة وأحاطت بالمعتصمين بزعم أنها ستحميهم من غدر الجيش و(الكيزان).

ما بعد التغيير  :

 نجح الحلفاء في صناعة ثورة أطاحت بالبشير في 11/أبريل وبعوض أبنعوف في 12/أبريل… وأسندت رئاسة المجلس العسكري الجديد للفريق أول عبد الفتاح البرهان  بدعم مباشر من حميدتي الذي تربطه به علاقة قديمة بدأت عندما كان البرهان منسقاً لعمليات الجيش في دارفور وتوطدت لاحقاً في دولة الإمارات إبان توليهما الإشراف على القوات المشاركة في عاصفة الحزم.

14/مايو/2019  كتب ديڤيد هيرست عبر موقع ميدل است آي :  نقلاً عن مصادر في الجيش السوداني الإماراتيين يمولون حميدتي ويزودونه بالأسلحة  الثقيلة .

 

فض الاعتصام 3/يونيو/2019 :

   رعت الإمارات باكراً تحالف قحت مع حميدتي الذي ظن أن قحت ستمنحه الشرعية السياسية وظنت قحت أن بندقية حميدتي هي أقصر الطرق لضمان استمرار انتقاليتها لعشر سنوات قابلة للتمديد، وهو ما طلبوه من حميدتي فصرح به ذات جفوة.

 25/4/2019 واشنطن بوست: المحتجون السودانيون يحذرون السعودية والإمارات من التدخل بشؤونهم. ..

اتسعت الشقة بين قحت ومعتصمي القيادة الذين رفضوا الخضوع لأجندة الإمارات المتحكمة في المشهد السياسي عبر حلفائها في الداخل.

تباينت المواقف بين معتصمين يطالبون بحكم ديمقراطي يختار فيه الشعب السوداني ممثليه بدون وصاية من الخارج أو من المؤسسة العسكرية (جيش أو دعم سريع) وبين قحت التي  تسعى للسيطرة والحكم عبر التحالف مع الدعم السريع والخضوع للوصاية الإماراتية.

 6/5/2019 الجزيرة الإخبارية :

يرفع المعتصمون أمام القيادة العامة للجيش السوداني، لافتات وشعارات تنادي بضرورة قطع الطريق أمام تمدد الإمارات في الثورة السودانية، بينما تزور قيادات بالمعارضة الإمارات سراً. . 

هذا الخبر هو مفتاح سر فض اعتصام القيادة العامة.

أمرت الإمارات حلفائها  بفض الاعتصام الذي أصبح عقبة أمام  استكمال مشروعها في السودان. وبدأ الدعم السريع استفزاز ومناوشة المعتصمين وجرت في يوم ثمانية رمضان أعنف المناوشات عندما قتل  خمسة معتصمين وأصيب مئة، وقد اكتفت قحت حينها بإدانة الحادثة ولم تنسحب من المفاوضات مع المجلس العسكري  تنفيذاً لمطالب المعتصمين فزاد حنقهم عليها. 

أيقنت قحت أن استمرار الاعتصام سيكون خصماً عليها وعلى فرصها في الحكم كما أنه سيكلفها خسارة حلفائها (الإمارات والدعم السريع) فوافقت على فض الاعتصام  بالقوة.. وقد هددهم حميدتي ذات خلاف بأن توقيعهم على قرار الفض موجود وبأن كل الاجتماعات موثقة لديه (صورة وصوت).. والشواهد على صدق حديثه كثيرة منها  سحب حزب الأمة لخيمته وعضويته من ساحة الاعتصام قبل الفض بساعات. ومنها تسريب مكالمات أحمد ربيع (الذي وقع عن الحرية والتغيير على الوثيقة الدستورية) التي طلب فيها من بعض كوادرهم مغادرة ساحة الاعتصام سريعاً ومنها شهادة والدة عبد السلام كشة الموثقة والمشهورة والتي قالت فيها إن بعض أعضاء قحت وتجمع المهنيين قد أخبروها بموافقتهم على فض الاعتصام بالقوة.. ويظل أهم شاهد على تورطهم وتواطئهم هو صمتهم عن إدانة الدعم السريع ومحاكمة منسوبيه برغم شهادة مئات الشهود والفيديوهات التي وثقت فض الدعم السريع لاعتصام القيادة وقتله للمعتصمين.

11/6/2019

كتب الصحفي البريطاني روبرت فيسك -مراسل صحيفة ذي إندبندنت البريطانية المقيم في بيروت  :أن الجثث “المنتفخة” الطافية في نهر النيل تثبت أن المحتجين السودانيين كانوا على حق عندما أعربوا عن ارتيابهم من تدفق الأموال السعودية والإماراتية على المجلس العسكري الانتقالي .

   (فض الاعتصام ده لو استمر ثلاثة يوم والله*الخرطوم دي كان تفضى ذي ما فضت كتم وذي ما فضت مليط

والله العمارات الغالية دي إلا تسكنا الكدايس أحسن الناس تفتح عينه)  كانت تلك هي كلمات حميدتي في أول خطاب له بعد فض الاعتصام ولم يكن حديثه اعتباطاً فقد كان إفراغ الخرطوم من سكانها واستبدالهم  بآخرين هو ما انعقد  عليه عزمه وهو غاية آماله وتمام قصده وتدبيره وسرعان ما شرع في جلب وتجنيس الأجانب من عرب الشتات.

 

ونواصل

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى