حميدتي لماذا صنعوه ؟ (المقال الثاني )
سلمى حمد
__________
توطئة :—
تهدف سلسلة المقالات هذه إلى رصد وتحليل المراحل والأسباب التي حولت الدعم السريع من قوة شبة نظامية مساندة للقوات المسلحة إلى قوة موازية محاربة للجيش.. وكيف تطور طموح حميدتي من السعي لكسب رضا قيادات الدولة والجيش إلى السعي إلى قيادة الدولة وتفكيك الجيش.. وكيف ولماذا لعبت قوى سياسية محلية وقوى إقليمية وأخرى دولية أدواراً هامة في تغذية هذا الطموح وهندسة هذا التحول.
الاتحاد الأوربي والهجرة إلى السودان
عملية الخرطوم
في العام 2014 أعلن الاتحاد الأوربي عن مبادرة تختص بتحديات الهجرة غير الشرعية عرفت باسم (عملية الخرطوم) تتولى إدارتها الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GAZ) وبالتوازي معها تم انشاء مركز استخباراتي أوروبي في قلب الخرطوم (RoCk) أسندت إدارته لشركة أمنية حكومية فرنسية .. قالوا إن التركيز على السودان مبعثه هو أن السودان بلد منشأ وعبور ومقصد وأنه ملتقى طرق هجرة من شرق وغرب أفريقيا إلى أوروبا والشرق الأوسط.
في العام 2015 انشأ الاتحاد الأوروبي صندوقاً بقيمة 2 مليار يورو (الصندوق الائتماني للاتحاد الأوروبي لأفريقيا) وتم تكليف عملية الخرطوم بتنفيذ المبادرات الممولة عبر الصندوق. صرح متحدث باسم الاتحاد الأوروبي لشبكة DW (إذاعة صوت ألمانيا) بأن أحد المشروعات التي تقودها ألمانيا يوفر المعدات والتدريب لقوات حرس الحدود (الدعم السريع) (ورد في تقارير منظمة اوكسفام وهيومن رايتس ووتش إن المواطنين في السودان يتحدثون عن تمويل الاتحاد الأوروبي لقوات الدعم السريع وعن أن هذا التمويل يستخدم في شراء الأسلحة المتطورة) لويز سوليفان التي عملت كمستشار من أجل “إدارة أفضل للهجرة” 2017-2019. نُشر في مايو.2021…
وينص موقع BMM على أن أموال الاتحاد الأوروبي توفر المساعدة الفنية والأدوات والمعدات للدعم السريع… اتفق جميع المراقبين في المنظمات والهيئات المهتمة بمتابعة قضايا الهجرة والقضايا الإنسانية على أن تمويل عملية الخرطوم معقد وغير شفاف وهو بذلك يفتح الباب على كثير من الاتهامات حول توفير المعدات وتمويل الجنحويد.
2023-06-04. صحيفة أوبزيرفر البريطانية 🙁 الاتحاد الأوروبي يدفع المليارات للعصابات المسلحة في أفريقيا كي تمنع المهاجرين).
الباحث عن الحقيقة القادر على استنباط المعلومات وربط الشواهد مع ما جرى ويجري في السودان والمنطقة يدرك تماماً أن عملية الخرطوم التي أسهمت في تمويل وتدريب الدعم السريع إنما كانت غطاءً لعدد من العمليات والمهام التي شاركت بعض الدول الأوروبية في التخطيط والترتيب لها وعلى رأسها، ثورة ديسمبر ومقتل إدريس ديبي وفوز محمد بازوم في انتخابات النيجر والفوضى في مالي وأفريقيا الوسطى، ويكتشف أن لعملية الخرطوم هدف مستتر بالإضافة لهدفها المعلن وهو جعل الخرطوم نفسها وجهة لهجرة جديدة يتم عبرها إفراغ دول أفريقية بعينها من بعض مكوناتها القبلية والعقدية ليتم توطينها في السودان. والقبائل المعنية هي قبائل مشتركة بين دول الإقليم، وتشكِّل حواضن قبلية لحركات جهادية وتنظيمات متطرفة.
مثّل السودان بتنوعه الإثني وامتداده القبلي ومساحته وثرواته ووضعه السياسي والاقتصادي الهش فرصة ذهبية لدول استعمارية يعتمد اقتصادها على ثروات وموارد دول أفريقيا الفرنسية (مصطلح يستخدم للتعبير عن دول كانت تحت الاحتلال الفرنسي وما زالت تحت وصايته الاقتصادية والسياسية). تنتمي معظم دول إقليم الساحل والصحراء لهذه المجموعة.. وقد أصبحت ألمانيا مؤخراً شريك أساسي لفرنسا في محاولات إبقاء تلك الدول تحت الهيمنة .. تدخلت فرنسا عسكرياً في أفريقيا ما بعد الاستقلال حوالي ثلاثين مرة و مازالت تمتلك عدة قواعد عسكرية داخل الإقليم، زار الرئيس الفرنسي الحالي مانويل ماكرون أفريقيا إلى الآن خلال فترة حكمه 18مرة، أما المستشار الألماني أولاف شولتس والذي تمتلك بلاده أيضاً قواعد عسكرية في المنطقة فقد قصد أفريقيا في أول جولاته الخارجية.. تواجه معظم دول الساحل والصحراء اضطرابات مسلحة وحركات تمرد وتطرف ينتمي معظمها لذات القبائل المشتركة التي يغلب عليها العنصر العربي الجهيني الذي ينتسب إليه معظم قادة وجنود الدعم السريع. مجموعة دول الساحل والصحراء تضم (ليبيا، بوركينا فاسو، مالي، تشاد، السودان، النيجر، إريتريا، جمهورية أفريقيا الوسطى، السنغال، غامبيا، جيبوتي، مصر، المغرب، تونس، نيجيريا، الصومال توغو وبنين) +الكاميرون .. تتداخل المكونات القبلية مع الحركات المتطرفة في معظم دول الإقليم الغني جداً بالموارد، والتي يعتمد عليها الاقتصاد الفرنسي ثم الألماني (شكل ضعف الدولة الأفريقية وهشاشتها لاسيما في المناطق الحدودية التي تعاني من غياب الأجهزة والمؤسسات الأمنية أحد العوامل التي ساعدت على تنامي الارتباط ما بين الجماعات الإرهابية، والقبائل الأفريقية، وهو الأمر الذي جعل اتجاهات عديدة تصف الإرهاب في أفريقيا بـالإرهاب الهجين الذي تتجاوز ملامحه الفهم المختزل للتنظيمات الجهادية، إذ لا تهدف الأنشطة الإرهابية إلى تحقيق غايات دينية وهوياتية فحسب، ولكنها تتشابك أيضاً مع الهيمنة القبلية).. (البعد القبلي داخل التنظيمات الإرهابية والمتطرفة في أفريقيا.. بحث صادر عن مركز سيمو -باريس 29/يوليو/2018).
لقد وضعت خطة للتخلص من هذه (القبائل والحركات) بحيث لا تتحمل الدول المستفيدة منها عبء شن الحروب وإرسال الجند.
بنيت الخطة على فكرة صناعة بطل قومي ينتمي لتلك القبائل ويسعى لجمعها في بلد واحد غني يكونون هم سادته وحكامه .. اجتهدوا في تغذية طموح محمد حمدان دقلو برغم أنهم كانوا يعلمون أن صناعة دولة العرب (البقارة) على أرض السودان هو حلم ستهدر في سبيله أنهار من الدم وأن الحرب ستطول وستجذب إليها الكثير من أعضاء التنظيمات الإرهابية المتطرفة من أبناء ذات القبائل وربما من غيرها أيضاً.
أرادت أوروبا أن تتخلص من قبائل متمردة أصبحت واعية بحقيقة سرقتها لثروات بلادهم، وهي تعمل كحواضن قبلية لتنظيمات ترى في وجودهم واستثماراتهم على أراضيها هدفاً جهادياً مشروعاً.. أرادوا التخلص منهم عبر جرهم جميعاً إلى الفخ في السودان.
اليونان أمدت الجنجويد بأجهزة تجسس :–
أعلن المدعي العام الأوروبي عن فتح تحقيق بخصوص تورط اليونان في تصدير أجهزة تجسس عالية الدقة ومصنعة في الاتحاد الأوروبي (براديتور) إلى مليشيا الدعم السريع في شهر مايو 2022..
إيطاليا دربت الجنجويد لعامين :–
ناقش البرلمان الإيطالي الدعم المالي والعسكري الذي قدمته إيطاليا لمليشيا الدعم السريع وكان حميدتي قد خص إيطاليا بالشكر على تعاونها في تدريب قواته لمدة عامين.
الولايات المتحدة وبريطانيا والتآمر على السودان :—
كانتا هما الداعم لشركائهما الأوربيين من ناحية ولشركائهما العرب وإسرائيل من ناحية أخرى، شاركتا عبر استخباراتهما وعملائهما وعبر ثقلهما السياسي في إسقاط نظام الإنقاذ الذي حارباه طويلا وهما داعمتين لفكرة تفكيك جيش السودان.
حلفاء الداخل (المال – الاتصالات) :–
قبل أن نسميهم لابد أن نرجع إلى نقطة التقاء أعداء الخارج بعملاء الداخل وكيف بدأ المشوار الذي انتهى بحرب الخرطوم؟؟ في العام2011 اجتاحت ثورات الربيع العربي التي كان التيار الإسلامي أبرز محركيها عدة دول عربية، أبرزها مصر. خشيت دول الخليج والغرب وإسرائيل من أن يمتد تأثير تلك الثورات إلى الخليج وبقية دول المنطقة فتسقط العروش وتنهار المصالح فاتحدوا وعزموا على محاربة الحركات الإسلامية وفوضوا حكام الإمارت للقيام بالكثير من الأدوار القذرة اللازمة لإتمام المهمة.. بطلب من الإمارات سافر إليها البشير في فبراير /2017 والتقى بمحمد بن زايد الذي طالبه بقمع اسلاميي السودان والتخلص منهم.. امتنع البشير ففترت العلاقات.. وفي ٥/ يوليو 2017 تفجرت الأزمة بين دولة قطر من ناحية والإمارات والسعودية ومصر من ناحية أخرى، ووقف السودان في الحياد، وهو مالم يعجب الدول الثلاث فاجتمع سفراءها مع وزير الخارجية السوداني وطالبوه بالانحياز لمعسكرهم وقطع العلاقات مع قطر.. رفض السودان برغم الإغراءات.. فتوترت العلاقات. ثم جاءت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسودان في 24/12/2017 والتي زار فيها مدينة سواكن ذات الإرث العثماني وتحدث عن مشروع مشترك لتطوير المدينة اقتصادياً . توجست السعودية والإمارات من فكرة إقامة قاعدة عسكرية تركية على البحر الأحمر قبالة ميناء جدة فزاد توتر العلاقات.. وفي يوليو 2018 أرسلت السعودية والإمارات الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السودان ليقدم للرئيس البشير عدة طلبات مقابل دعم مالي خليجي كبير ينقذ السودان من أزمته الاقتصادية. وكانت الطلبات هي أن ينقلب البشير على الإسلاميين ويزج بهم في السجون وأن يدعم خليفة حفتر بالجنود والطيران ضد حكومة طرابلس الشرعية المنتخبة إسلامية التوجه.. رفض البشير العرض.. فاتخذت الإمارات قرارها النهائي بالتخلص منه.. 3/يوليو 2019 أكد تقرير لوكالة “رويترز”، (أن الإمارات لعبت دوراً بارزاً في إنهاء حكم الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، بعد أن ساءت العلاقة بينهما بسبب مطالبة أبوظبي بتصفية الإسلاميين في السودان).
رتبت الإمارات مستعينة بطه عثمان الحسين اتصالاتها مع معارضي الإنقاذ والعملاء داخل وخارج السودان من ناحية ومع حميدتي من ناحية أخرى لأجل تنسيق الجهود الرامية لإسقاط نظام البشير.
غرد السيد أنور قرقاش وزير الدولة بوزارة الخارجية الإماراتية في يونيو 2019 قائلاً: (إن الإمارات كانت على اتصال بجميع عناصر المعارضة السودانية والمجلس العسكري الانتقالي). أنفقت الإمارات الكثير من الجهد والمال وأحكمت سيطرتها على قادة المعارضة السودانية، تجلت تلك السيطرة في موقفين أولهما كان عندما أوقفت قحت المفاوضات مع المجلس العسكري وكادت تركن لضغط الشارع الغاضب بعد فض اعتصام القيادة.. فما كان من الإمارات إلا أن استدعت قيادات الحرية والتغيير وأمرتهم باستئناف المفاوضات فوراً مع المجلس العسكري وتحديداً حميدتي..ثم أرسلت طه الحسين ليقود مفاوضات سرية في الداخل وأرسلت محمد مشارقة مستشار دحلان ليقود مفاوضات أديس أبابا. وأثمرت جهودهم عن إعلان الوثيقة الدستورية. وثانيهما كان بعد فشل حكومات قحت غير المسبوق والفساد المالي والتخبط السياسي والاقتصادي الكبير الذي أثار غضب الشارع وزاد من وتيرة الاحتجاجات.. دبت الخلافات بين الشريكين المدني والعسكري وتحدث حميدتى مراراً عن فشل الحكومة وتصاعدت الأزمة وصولاً لانقلاب 25/أكتوبر. تدخلت الإمارات مرة أخرى واستدعت إليها جميع الأطراف وأعادت الشراكة بين قحت وحميدتي.
نواصل ..
المقال القادم .. كيف بدأت المؤامرة