رأي

احترازات ما بعد الحرب ٢-١٠

كرار التهامي

احترازات ما بعد الحرب ٢-١٠

أشرت في الجزء الأول من المقال إلى عدة محاذير ووصفتها (بالأفاعي العشر) التي قد ستعود وتنفث سمومها من جديد في جسد الوطن بعد نهاية الحرب وحينها سينطبق علينا القول (كأنك يا أبوزيد ماغزيت) فواجب كل فرد في المجتمع أن يعرف هذه الأفاعي عن ظهر قلب ويتحفز لمواجهتها حتى لا تعود الأزمات من جديد مشمرةً ثيابها مكشرةً أنيابها ويعود الصراع المسلح تحت دعاوي التهميش ويعود التنمر القبلي وتنمو الجريمة كما كانت في الشوارع والأزقة الخلفية وقلب المدينة.
◾من بين الأفاعي العشر التي أشرت إليها وأكثرها بثاً للسموم هي (روح التشاؤم) التي كانت ولازالت سائدة في الكثير من أبناء السودان وتتمثل في اللعّان والطعان لبلادنا وتعييرها بالفقر وضيق ذات اليد بينما هي غنية ومترعة بالخيرات التي لانراها بسبب النظرة الدونية التي نسبلها عليها.
◾بعد الحرب من الواجب (تغيير البرادايم) paradigm shift وأن نتفاءل بالخير الوفير في هذي البلاد وأهلها ونغني لها من ضمائرنا صادقين ليس للطرب ولكن للمعاني، فالسودان أجمل البلاد وفيها سعة ومراغما كثيرة وأكثر البلاد رحابة للآخرين وفيها من الموارد مما يغني العالم كله من جوع، وفيها من الأرض الخصبة والزرع والضرع ما يحلم به الآخرون ومن المعادن النادرة تحت الأرض ما يكفي أكبر نهضة صناعية وفيها ماظل الغزاة يبحثون عنه منذ بداية التاريخ إلى اليوم والناس في السودان متكافلون متحابون مترابطون أكثر من غيرهم وأهل فزعة وتضحية وفداء اشتهروا بين الشعوب بطيبة القلب والشجاعة والأمانة.
◾كيف نجسد هذه المعاني في تفاصيل حياتنا اليومية وفي المدارس وفي المسرح والأدب وأن نؤمن بها عن يقين ونعمقها في نفوس النشء والأجيال التي تتعرض يومياً للتحريف والتجريف الثقافي بسبب الاغتراب واستلاب الهجرة وإحساس الدونية الذي يتسرب في الوجدان عندما ننظر للآخرين ونقارن.
◾فلسفة التفاؤل الجمعي مهمة للنهوض الحضاري فالأمة المتفائلة أمة ناجحة وأكثر قدرة على التطور يشير بروفسور مارتن سيليجمان المفكر والباحث وعالم النفس الأمريكي في كتابة Learned Optimism إلى دور التفاؤل الفردي والجمعي والمؤسسي في الاستقرار والإنتاج الفكري والاقتصادي ويعقد مارتن مقارنة بين الشعوب المتشائمة والتي تجلد نفسها ليل نهار وتلك المتفائلة والمفعمة بالوطنية وحب الوطن تلهج بالثناء عليه في كل مجلس.
◾يقول الألمان، وهم أكثر من خَبِر الحروب واحترق في لظاها ، ” الحرب أم كل شيء”
‏Das Krieg ist die Mutter von allem
فالحرب تسبب الدمار وتهب العمار وتصنع الأخبار وتلهم الأفكار وتصقل الرجال فالصناعات العسكرية والدوائية وصناعة السيارات ومشروع القنبلة النووية والعصبية الآرية التي ميزت ألمانيا وجعلتها متفوقة في كل هذي ازدهرت في الحرب إنها الغريزة الإنسانية والرغبة في استمرار النوع والشقف الوطني وحالة القتال والهروب fight and flight التي تستفز كيمياء الحياة وهورمونات البقاء في الإنسان وتحرك العقل الجمعي فتنقدح شرارة التفكير وصناعة البدائل.

◾الخرطوم ستتحول إلى أجمل وأنظف مدينة بعد العلاج بالكي الأمثلة والعبر كثيرة فمدن كثيرة خرجت من رماد الحرب كطائر السمندل وشمخت بعد أن داستها أقدام الغزاة ودكتها طائرات الأعداء وتحولت إلى خراب وفناء منها برلين التي كان يضرب بها المثل في الجريمة والجوع والمسغبة والتضخم إذ كان الرجل الألماني يحمل النقود في (زكيبة) ليشتري بها أشياء يحملها في (جيبه) لكنها ملكت العافية بعد الحرب وتحولت إلى أقوى عاصمة اقتصادية في اوروبا.

◾المثال الرواندي ليس بعيد فبعد الكراهية والقتل والثأرات القبلية التي دمرت رواندا وقسمتها بحد السكين نهضت كواحدة من أجمل بلاد أفريقيا وأكثرها نمواً واستقراراً وأصبحت عاصمتها كيجالي بعد أن ملأت الحرب أزقتها وشوارعها الخربة بالجثث تحولت إلى عاصمة إفريقية تضاهي أجمل المدن في العالم.
◾لندن سحقتها الطائرات وسوتها بالأرض لم يبق فيها مبنى منتصباً قتل فيها أربعون الفاً من سكانها وعادت بعد الحرب عاصمة الدولة الأقوى المتميزة بثقافتها ومسارحها وحدائقها الفيحاء.
◾طوكيو ظلت تقصفها الطائرات الأمريكية لمدة ما يقارب العام حتى تشرد سكانها بالملايين ومات منهم أكثر من مائتين ألف من المدنيين بعد توقف الحرب نفضت الرماد وأشرقت شمسها من جديد عاصمة للحداثة والتكنولوجيا.

◾حتى الطبيعة كما ذكر الكثير من علماء الأنثربولوجي تعوض المجتمع مايفقده من الأنفس والثمرات حيث أشاروا إلى زيادة خصوبة المرأة في أوروبا وارتفاع نسبة المواليد بعد الحرب التي هلكت الحرث والنسل وأزهقت أرواح عشرات الملايين وهاهي أوروبا بعد الدمار والحرب تنتعش وتتحول إلى أكبر قوة حضارية ناهضة ومتطورة.

◾وهكذا ستعود الخرطوم أجمل وأفضل وأنبل.. ستخلو من الجريمة وتعود إلى مستواها القياسي في الأمن وسلاسة الحياة والسعادة مثل كل المدن التي تخرج من الحرب نقية كما يخرج الذهب صقيلا من النار تزهو بجامعاتها ومسارحها وفنونها ولياليها الثقافية العامرة ونيلها السلسبيل ويعود الوطن كله.

◾ يقول علماء النفس إن أهم قاعدة في التنمية الذاتية أن تحب نفسك ويقول علماء السياسة أهم قاعدة للبناء الاجتماعي أن تحب وطنك وأن تقبله بعلاته وتفخر به…. إذن اتركوا التشاؤم وجلد الذات وسووا صفوفكم …
نواصل حول بقية الأفاعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى