رأي

صباح الحرب.. وكأنهم لا يعلمون

سلمى حمد
من  أطلق الرصاصة الأولى.. سؤال سأرد عليه بسرد احداث ووقائع  شهودها كثر من العاملين في الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون   ..  في ذلك الصباح  العصيب  من يوم 15 أبريل 2023، والانتباه للتوقيت في هذه الأحداث هو مفتاح الحقيقة لمن اراد صادقاً أن يعلم إجابة سؤال كثر ترديده من جهات وشخصيات بعينها  !!
 كان صباحاً كالحاً على كل سوداني  لكنه كان أكثر  قتامة على مجموعة  من العاملين في الهيئة القومية  للإذاعة والتلفزيون شاء حظهم العاثر أن يكونوا  في تلك (الوردية) صباح ذلك السبت الرهيب  .. 
وصلوا إلى بوابة الهيئة حوالى الساعة السابعة والنصف صباحاً  وفوجئوا  بالزيادة الكبيرة في اعداد قوات الدعم السريع المتواجدة في شارع ومداخل الهيئة وانتبهو ا إلى أنها كانت في وضع استعداد كامل ..كما أنهم (اي أفراد الدعم السريع) كانوا يفتشون كل العربات الداخلة إلى اله‍يئة ويسألون  الموظفين عن بطاقاتهم  وهو عمل يقوم به في العادة موظفو قسم الأمن والسلامة (كان الدعم السريع يقوم به لمدة وجيزة بعد أبريل 2019 ثم عادت الأمور إلى نصابها) .. المهم في ذلك اليوم صباح يوم 15 أبريل 2023 كان كل شئ مختلفا .. زيادة كبيرة في  اعداد القوات وفي اعداد العربات القتالية التي زادت حتى غطت كل الشارع من أمام عمارة النيل الازرق في طرف الشارع المطل على النيل  إلى  مركز شباب ام درمان  بعد التقاطع.  وكلها في  وضعية  الاستعداد  ..  حتى  السيارات القتالية التى ألفوا وجودها  على باب الهيئة كانت في كامل تأهبها  واستعدادها  وهي  التي كانت تربض  في مدخل الهيئة مطفأة ومغطاة جزئيا  طيلة الاربعة سنوات الماضية .. كل ذلك أشعرهم أن هناك أمر  ما .. وتوجسوا خيفة  منه .. ولكن بعضهم اعزاه  إلى انهم ربما في انتظار زيارة من أحد القادة الكبار.. دخل  الموظفون وما أن استقروا في مكاتبهم أو خلف  أجهزتهم حتى فوجئوا بأفراد  من  الدعم السريع يأمرونهم بالخروج من الاستديوهات والمكاتب والإصطفاف  في الخارج .. كان ذلك حوالي الساعة الثامنة  والربع صباحا ً، خرجوا مندهشين يسألون أفراد الدعم السريع ماذا هناك ؟ فكان الرد .. (حاتعرفوا بعد شوية ) … و بعد قليل  وهم  ما زالوا واقفين  (مهنضبين) من أفراد الدعم السريع دوت أصوات الذخيرة من على البعد من الضفة الثانية للنيل (في الخرطوم) ثم  تزايدت وتنوعت اصوات الضرب والقصف ..   كل ذلك وأفراد الدعم السريع يمتنعون عن الإجابة على اي سؤال  ..   بل  ومنعوهم  من الحديث مع بعضهم البعض وانتهروهم  (امنع الكلام) ثم قادوهم وجمعوهم  (العاملين في التلفزيون مع العاملين في الإذاعة) في حوش الهيئة الرئيسي  وأصوات الرصاص والقصف والانفجارات  تصلهم فتزيدهم خوفاً وحيرة ..  ثم أمروا العاملين من غير الفنيين بالانصراف وأمروا السائقين  بإرجاعهم إلى منازلهم .. وطلبوا من سكان أم درمان وبحرى اصطحاب زملاءهم من سكان الخرطوم معهم لأن الوضع في الخرطوم لايسمح بالذهاب اليها الآن .. ولكنها كما قالوا (ساعات بس) وستستقر الأحوال..  فقد كانوا واثقين من أن مباغتتهم للقوات المسلحة وخطتهم التى ظنوها محكمة ستمنحهم النصر في ساعات وبعدها سيكونون هم حكام وسكان الخرطوم الجدد.
  لن أتابع سرد وقائع وأحداث ذلك اليوم الرهيب على العاملين في الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون. وربما  سيحكي بعضهم  لاحقا عن ما واجهوه في ذلك اليوم من  ارهاب وإذلال، سواء الذين  سمح لهم الجنجويد  بالانصراف أو الذين اتخذوهم أسرى ليواجهوا المزيد من الأهوال.. ما يهمنا اليوم لنصل إلى الجواب عن السؤال الشهير  هو توقيت هذه الأحداث.. وكيف أن قوات الدعم السريع  الرابضة داخل الهيئة القومية  للإذاعة والتلفزيون  قد بدأت  تحركها لإسناد انقلابهم المدبر  وحربهم المعلنة قبل الساعة السابعة صباحاً ربما  بساعات .. فقد حضر العاملون  عند السابعة ليجدوا تلك القوات في كامل الأهبة والاستعداد .. وحينها لم يكن العاملين القادمين من جميع أنحاء العاصمة الخرطوم وأطرافها المختلفة ومدنها الثلاث قد سمعوا أي أصوات ذخيرة وهم قادمون من الخرطوم، (الأزهرى والسلمة وجبرة والصحافات والبراري واركويت والمعمورة) ومن بحري  (الدروشاب والحاج يوسف والحلفايا وشارع المؤسسة والشعبية).. ومن ام درمان  (الثورات وامبدات وام درمان القديمة والفتيحاب) … 
كل العاملين في تلك الوردية التاريخية  فوجئوا عند وصولهم لمقر عملهم باستعداد وأعداد قوات الدعم السريع المتزايدة في هيئتهم  دون أن يدركوا السبب “حينها” .. وجميعهم اصطفوا  (مكرهين) خارج مكاتبهم واستديوهاتهم فكانوا شهوداً على  ساعة الصفر واشتعال الحرب ودوي النار والرصاص.. قوات الدعم السريع هي وحدها التي لم تتفاجأ .. و هي  وحدها من كانت في قمة استعدادها وتأهبها وهي وحدها من بادرت بالهجوم..
ثم يسأل أفراد  الجناح السياسي للدعم السريع (تقدم) بكل وقاحة من أشعل الحرب ومن أطلق رصاصتها الأولى؟ وكأنهم  لا يعلمون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى