تقارير

عادل الباز يكتب: ما بعد القاهرة.. ومابعد الإطاري

في ما أرى

1
أجمل مافي مخرجات ورشة القاهرة (مقترح الوثيقة الوطنية الحاكمة للفترة الانتقالية: نحو مصالحة وطنية شاملة وانتقال ديمقراطي كامل) إنها أظهرت إنه لايزال بالسودان ديمقراطيين حقيقيين لا تقودهم الإحن والأحقاد والمكاسب الشخصية والحزبية الضيقة إذ أنهم ارتقوا بالصراع السياسي ليصبح صراع برامج ووثائق تقترح ولا تحتكر ولا تنشد مصادرة الساحة السياسية وجعلها لفئة تدعي وراثة الثورة وإنها ملك حر لثلاثة أحزاب تتحدث باسمها و تمثل كل السودانيين و لا صوت يعلو فوق صوتها.
2
جمعت وثيقة القاهرة ممثلين لغالب أهل السودان شمالا وشرقا وغربا ووسطا، أحزابا وكيانات ولجان مقاومة وخبراء في القانون وزعامات سياسية لم يشكك أحد في مواقفها أو عطاءها أو مقدرتها على التقدير السليم.
3
انهت الوثيقة حرب الكراهية واعلت من قيمة العدالة وجعلت السودانيين سواء أمام القانون وأكدت على حقوق الإنسان في أكثر من نص بالوثيقة فضلا عن ديباجتها التي تركتها كما جاءت بالوثيقة الأولى وهي أجمل مافيها.
4
عبرت بنا ورشة القاهرة من حالة التوهان ومحاولات احتكار السلطة بإنتاج وثيقة جديدة عالجت عوار الوثيقة الدستورية (2019) المعطوبة وسعت لإزالة تشوهاتها على مافيها من نقص إلا أنها أفضل بما لا يقاس من تلك المزورة والمجهضة. كما سنرى.
5
استوقفتني أربع قضايا عالجتها الوثيقة الوطنية: أولها: الهيئة التأسيسية التي هي تمتلك السلطة الحقيقية التي تقرر كيفية تشكيل كل مؤسسات الدولة، ثم قضية تفكيك النظام السابق، ومعالجة قضية شرق السودان واتفاق جوبا وأخيرا القضايا العسكرية و الأمنية .
أنشأت الوثيقة جسم جديد لم يكن موجودا في الوثيقة الأولى واسمته الهيئة التأسيسية وحددت عضويتها بمائة شخص يتم اختيارهم من بين الموقعين على الإعلان السياسي الذي تم ارجاءه الآن لحين حدوث تطورات أخرى متوقعة أو ماينتج عنه التفاوض المستقبلي مع آخرين. هنا تبرز منطقة صراع محتمل بل ومؤكد ، فهذه الهئية هي التي ستقرر في مسقبل السودان السياسي عبر سلطتها التي ستشكل عبرها كل مؤسسات الدولة، المجلس التشريعي و المجلس الأعلى والقضاء والنيابة ومجلس السيادة كل شى تقريبا، هذه هيئة خطرة وذات مسئولية كبيرة ولا بد أن التصويت في داخلها بالأغلبية، وهنا المشكلة من سيكون له الأغلبية داخل تلك الهيئة؟. مثلا هل الأغلبية للحرية والتغيير إذا حدث اتفاق ؟ أم الأغلبية للكتلة الديمقراطية وكيف سيحل هذا الأشكال؟ وخاصة أن جوهر الصراع الجاري الآن يتعلق بمن سيشكل المستقبل. رغم أهمية فكرة الهيئة ولكن تسوية موضوع الأغلبية بحاجة لجهد إضافي ومبدع.
6
القضية الثانية التي استوقفتني هي معالجة الوثيقة الوطنية لقضية التفكيك التي كانت مركز الصراع في الفترة الانتقالية الأولى. كانت معالجة باهرة اتسمت بالالتزام بأسمى قيم الثورة التي نادت بها وهي العدالة.
اخضعت الوثيقة كل أعمال لجنة التفكيك المزمع تكوينها للقضاء وجعلت منها فقط لجنة تحري ودعت تقديم كل من تتهمهم اللجنة إلى النيابة العادية والقضاء ودعت للحفاظ على حقوق الإنسان فلا يعتقل ولاتصادر أمواله أو تكشف حسابات أو تشوه سمعته وسمعة أسرته على الملأ دون وجه حق كما شاهدنا في ممارسات سيئة الذكر لجنة التفكيك عبر برانامحها أراضي وأراضي
( ياله من عار ألحقته تلك المخبولة بالثورة.).أعادت الوثيقة للقضاء مكانته وللعدالة قيمتها وهذه وحده يكفيها شرفا ويهبها قيمة إضافية. ووددت لو تم النص على أن أفراد تلك اللجنة قانونيين مستقلين عن أي انتماء حزبي حتى نطمئن على عدم تحيزها السياسي ونزاهتها.
7
عالجت الوثيقة الوطنية قضية الشرق ببساطة إذ تم اقتراح منبر تفاوضي تم الاتفاق عليه بين مكونات الشرق القبلية والسياسية ليلغى المسار موضع المشكلة وتنفتح قضية الشرق على أفق جديد ينهي الصراع القبلي بالإقليم ويمنح حالة من الاستقرار للفترة الانتقالية.
بالتاكيد على اتفاق جوبا بموقف موحد داعم لاستكمال تنفيذه ، أصبح اتفاق جوبا عضم ظهر أي اتفاق مستقبلي طالما وجد هذا الدعم الكبير من المشاركين في ورشة القاهرة وتراجع قوى الحرية والتغيير المركزي وفولكر عن تعديله أو مراجعته.
8
أبرز معالجات الوثيقة الوطنية كانت في تناولها للقضايا العسكرية والأمنية،إذ دعت لإصلاح الأجهرة دون أن تحدد الجهة التي تقوم بعملية الإصلاح ويفهم من ذلك أنها تركت تلك المهمة للأجهزة نفسها الأمر الذي نادى به قادة الأجهزة مرارا. ثم أكدت على وضع المؤسسات الاقتصادية التي تمتلكها تحت ولاية وزارة المالية، وونلاحظ هنا أيضا أنها دعت لوضع مؤسسات الدعم السريع الاقتصادية تحت وصاية وزارة المالية وهو النص المفقود في الاتفاق الإطاري الذي استثنى مؤسسات الدعم السريع الإقتصادية من ولاية وزراة المالية، أي أنه جرد الجيش والأجهزة الأمنية من مؤسساتها وترك مؤسسات الدعم السريع قائمة، وذلك هو حافز الحليف الجديد للحرية والتغيير.!!.
على أن أهم مانلاحظه هنا أن الوثيقة الوطنية سمحت للأجهزة بترشيح قادتها للسيد رئيس الوزراء الذي سيختار من بين المرشحين المقدمين له من جهازي المخابرات والشرطة بحسب ما تنص عليه اللوائح الداخلية للجهازين، وبذلك منعت الوثيقة رئيس الوزراء من التدخل في شئون الجهازين وحصنتها من لوثة المدنيين متعددي الولاءات الداخلية الحزبية والخارجية التي تتجه غربا باتجاه الشرق.شفتو كيف؟.
9
أهم نتيجة مباشرة للوثيقة الوطنية وورشة القاهرة أمران… أولهما أنه يستحيل تجاوز مصر في الشأن السوداني مهما تدفقت الأموال وتكاثرت التدخلات الغربية.. فلا أحد ممن يعبثون الآن في الساحة السودانية يعتبرون السودان قضية أمن قومي بالنسبة وحدها مصر من تفعل.. وفي مصر وحدها السودانيون ليسوا بحاجة لكفيل ليعيشوا ويتعلموا ويستشفوا، فهاهي مصر جاءت متأخرة فجمعت ورشة القاهرة وأوعت وفعلت ما عجزت عنه الثلاثية والرباعية المنحازتين وتخلخلت جدر الغرب الصلدة الداعمة لطرف واحد في المعادلة السياسية السودانية وأصبح من المستحيل تجاوز ما جرى بالقاهرة.
10
الأمر الثاني هي إجبار الواهمين في الاتفاق الإطاري والقوى الخارجية الداعمة لهم على الاعتراف بأن الاتفاق الإطاري بلا مستقبل مهما حشدوا له من دعم إقليمي ودولي وهاهم الآن مكرهين لا أبطال مأمورين جلسوا مع الكتلة الوطنية للحوار، كان لزومو شنو العنتريات دي كل هذا الوقت (أبوها سودانية مملحة هاهم ياكلونها بالكشري.).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى