الذكاء الاصطناعي تحت المجهر العربي: ميثاق الألكسو الأخلاقي

محمد يوسف العركي
في زمن تتسارع فيه وتيرة الأشياء وتتشابك فيه خيوط التقنية مع تفاصيل الحياة اليومية، تبرز الحاجة لأهمية وجود بوصلة أخلاقية تضبط المسار وتحمي الإنسانية من الانزلاق في متاهات الاستخدام غير المسؤول للتكنولوجيا. ومن قلب هذا التحدي، أطلقت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) في يونيو 2025م ميثاقًا عربيًا جديدًا لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، يشكل هذا الميثاق في تقديري خطوة رائدة لمستقبل رقمي عربي قائم على القيم والعدالة.
منظمة الألكسو والتي تأسست عام 1970، هي إحدى منظمات جامعة الدول العربية، وتُعنى بتنسيق الجهود العربية في مجالات التربية والثقافة والعلوم. وتهدف إلى تعزيز الهوية الحضارية العربية، وتطوير التعليم والبحث العلمي، وحماية التراث الثقافي، وتفعيل التعاون العربي في مواجهة التحديات المعاصرة، وعلى رأسها التحول الرقمي.
ميثاق الألكسو: رؤية عربية مسؤولة
قبل شهرين من الآن، أعلنت الألكسو من مقرها بتونس عن “ميثاق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي”، كأول وثيقة عربية شاملة ترسم إطارًا قيميًا وأخلاقيًا لاستخدام هذه التقنية في مجالات التعليم والثقافة والعلوم. ويأتي هذا الميثاق استجابة للتطورات العالمية، مثل توصية اليونسكو لعام 2021، لكنه يتميز بخصوصيته الثقافية التي تراعي التنوع العربي والقيم الإسلامية.
الميثاق والذي يقع في 46 صفحة ابتدأ بكلمة المدير العام للألكسو، الدكتور محمد ولد أعمر والذي أكد في كلمته الافتتاحية أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية، بل أصبح “أداة تعيد تشكيل الواقع الإنساني”، مما يستدعي إطارًا يحفظ كرامة الإنسان العربي ويصون خصوصيته وهويته.
تحديات عربية في وجه الذكاء الاصطناعي
يرصد الميثاق جملة من التحديات التي تواجه الدول العربية يمكن اجمالها في ضعف البنية التحتية الرقمية، نقص التشريعات المنظمة للخصوصية والمسؤولية الأخلاقية، محدودية الاستثمار في البحث العلمي، مخاوف ثقافية من تأثير التقنية على القيم والعادات، هشاشة الأمن السيبراني. ويحذر من أن تجاهل هذه التحديات قد يؤدي إلى تعميق الفجوة الاجتماعية، ما لم تُعالج بسياسات رشيدة.
قيم حاكمة لمستقبل رقمي عربي
يرتكز الميثاق على مجموعة من المبادئ الأخلاقية، والتي تتمثل في: احترام الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية، تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، حماية الخصوصية والبيانات، الابتكار المسؤول الذي لا يتعارض مع القيم الثقافية، تعزيز التنوع الثقافي والشمول الاجتماعي، دعم الاستدامة البيئية، احترام الموروث العربي والإسلامي، تشجيع التعاون الإقليمي والدولي.
أهداف استراتيجية للميثاق
يسعى الميثاق إلى تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية مثل وضع معايير أخلاقية ملزمة للدول العربية،
دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم والثقافة دون المساس بالهوية، تعزيز الشفافية والمساءلة، تطوير كفاءات عربية في المجال التقني، حماية الأجيال القادمة عبر بيئة رقمية آمنة.
التعليم والثقافة والعلوم في قلب الميثاق
ومن خلال الاطلاع على الميثاق نجد قد ركز على ثلاثة محاور رئيسة تمثلت في التعليم (تحسين جودة التعلم، دعم المعلمين، وتقليص الفجوة التعليمية) وفي الثقافة (حماية الهوية، توثيق التراث، وتمكين الإبداع الرقمي) والبحث العلمي (دعم الابتكار، وتقديم حلول للتحديات البيئية والمناخية).
خارطة طريق نحو مستقبل أخلاقي
الملفت حقاً في هذا الميثاق انه لا يكتفي بالتنبيه إلى المخاطر، بل يطرح رؤية متكاملة لبناء مستقبل عربي رقمي مسؤول، يعزز التنمية دون التفريط في الهوية أو القيم. من خلال دعوة مفتوحة لصياغة استراتيجية عربية موحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، تضع العالم العربي في موقع الشريك الفاعل في الاقتصاد المعرفي العالمي.
السؤال الكبير: هل نحن مستعدون؟
يبقى التحدي الحقيقي في مدى التزام الحكومات والمؤسسات العربية بتفعيل هذا الميثاق وتحويله إلى سياسات وتشريعات واقعية. فالميثاق هو البداية، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية واستثمار في الإنسان العربي ليصبح أداة فاعلة في صياغة مستقبل أخلاقي للذكاء الاصطناعي.



