فاشر أبو زكريا قلبي وعقلي معكم ونشاطي أبذله دفاعا عنكم

✍🏻 د. صدقي كبلو :
سيطرة قوات الجنجويد على الفاشر بالنسبة لي هي قضية شخصية الى جانب أنها قضية إنسانية وسياسية، فأنا عاشق للمدينة منذ حل بي اللوري القادم من النهود ذات صباح في يوليو 1963 مقبولا بمدرسة الفاشر الثانوية وتوجهت شاق طريقي الى منزل عمي المرحوم أحمد طاشين، صديق والدي وعمي، والذي احتفى بوصولي وأنزلني عنده حتى انتقلت لداخليات المدرسة بعد أسبوع، طفت خلاله على أهلي السيد المرحوم علي أحمد حامد والخليفة عمر محمد حامد، وزرت مكتبة الجماهير لصاحبها المرحوم صديق أحمد البشير والتي كانت لها الأثر في نضوجي الثقافي فاغتنيت منها أهم الكتب التي قرأتها في شبابي من سيد قطب حتى سلامة موسى ومن نازك الملائكة وفدوى طوقان وعبد الوهاب البياتي وصلاح عبد الصبور حتى صلاح أحمد ابراهيم وكجراي وغيرهم، ومجلات مصرية وبيروتية، وترجمات سهيل ادريس وجورج طرابيشي وأعمال سارتر وسيمون دوبوفوار . وتعرفت على أدب نجيب محفوظ ويوسف إدريس ومصطفى محمود وعبد الرحمن الشرقاوي وغيرهم.
ثم ذهبت للمدرسة وعرفني زميلي المرحوم الشيخ أحمد الشيخ على الحزب الشيوعي، فانضممت لفرع رابطة الطلبة الشيوعيين بالمدرسة وتعرفت على زملاء رائعين من مختلف أنحاء السودان، شيوعيين وديمقراطيين واشتراكيين ديمقراطيين وإخوان مسلمين وآخرين لا علاقة لهم بالسياسة، من دارفور وكرفان وسنار (التي كانت المدرسة تستضيف فصولا منها)، ثم دخلت الفصل الدراسي وتعرفت على أساتذة اجلاء ذكرتهم في بوستي عن معلمي، ولكن الدهشة الكبرى كان دخولي للمكتبتين العربية والانجليزية ، حيث وجدت ثورة من الأدب العربي والإنجليزي فقرأت الى جانب كتب التراث طه حسين والعقاد (الذي أحببت شعره) وغيرهم من كبار الكتاب العرب والمصريين خاصة، وكانت المكتبة الإنجليزية غنية بشكسبير وببرناردشو، بل بالأدب الإنجليزي الحديث أيضا.
الفاشر علمتني وربتني وحضنتني بحنان أهلها، وإني لأذكر حتى اليوم عندما جريت سباق الضاحية للمرة الأولى والأخيرة لأني كنت قد أصبت بكسر بركبتي في صباي، فتورمت ركبتي وحدث لها التهاب حاد مما أضطر المدرسة لحملي للمستشفى في تلك الليلة وحجزت بها وعندما سمعت الفاشر بأن طالبا في المستشفى، تدفق أهل الفاشر لزيارتي وكان عجائز النساء يحملن لي الشوربة والطعام والترمس والبلح، وأذكر جيدا انني بعد خروجي من المستشفى، كنت أحضر لمقابلة الطبيب، وكان حينها نلبس الرداء الكاكي والقميص الأبيض ويظهر رباط ركبتي واعتب في مشيتي وكان نساء الفاشر العجائز يقابلنني وأنا في الطريق من المستشفى لمتجر مماكوس حيث تقف عربة المدرسة فيستوقفوني “ولدي عافية تيبيين، سلامتك” وكنت أشعر بحنان الوالدة والحبوة في لغتهن، فأحمد الله أن أرسلني لذه المدينة الحنونة.
أحببت الفاشر وناسها ومدرستي وزملائي، لهذا فأنا حزين وغاضب لما حل بها خلال الحرب ولما حدث بأهلها من قبل مليشيا الجنجويد، والذي لا يمكن اعتباره جريمة أشخاص، بل هو نهج الجنجويد منذ انشائهم بواسطة نظام البشير المجرم، وأن ما يحدث هو من طبيعة التعليمات التي تصدر من نائب قائدهم الذي قال لهم وفق لما قال لي عدد منهم أثناء فترة وجودي ببحري خلال احتلالهم لها، انهم لا أجور لهم وعليهم الاستيلاء على الغنائم لكي يعيشوا، بل أنه قال، مثل احمد هارون تماما أنه لا يريد أسير.
إن ما حدث في الفاشر هو جريمة حرب مسئول عنها الدعم السريع وحكومة تأسيس، خاصة أن حكومة التأسيس أثناء المعركة تبنت القوات وأطلقت عليها قوات تأسيس، وبالتالي تصبح الحكومة مجتمعة ورئيسها ووزير دفاعها وقائد قوات الدعم السريع وقائدها مسئول جنائيا مثل مسئولية من أمر بالقتل ومن نفذه إلا إذا ثبت بما لا يجعل مجالا للشك بأن القائد الذي أمر بالإعدامات والجنود اللذين نفذوا أو أيا منهما قد خالف تعليمات صريحة صدرت بعدم قتل الأسرى من الحكومة أو رئيس الوزراء أو وزير دفاعه أو القائد العام أو القائد الميداني (نائب القائد العام للجنجويد عبد الرحيم دلقو).
لقد حذرنا من قبل من تحالفوا من الجنجويد أنهم يتحالفون مع قوة تنتهك حقوق الانسان وارتكبت وترتكب جرائم حرب وجرائم إنسانية، ولهم سوابق في الخرطوم والجزيرة وفي دارفور وجبال النوبة من قبل في عهد البشير. إن منتهك حقوق الانسان لا يمكن أن يكون حاميها.
أنني أدعو بوجه خاص الأخ عبد العزيز الحلو أن ينجو بنفسه وتنظيمه من هذا المأزق الذي ساق حركته اليه وأن ينفض يده عن أي انتهاك لحقوق الانسان في الفاشر وبارا وأي مكان في السودان ومهما يكن المرتكب.
أدعو كل زملائي وأصدقائي العاملين والناشطين في حركات حقوق الانسان للوقوف بحزم ضد انتهاكات الفاشر وبارا، بل وكل انتهاكات حقوق الانسان التي حدثت من قبل في الجنينة والخرطوم والجزيرة وغيرها، لا بد من جبهة واسعة ضد انتهاكات حقوق الانسان في السودان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
إنني أدعو لابتكار السبل والطرق لتقديم الدعم الإنساني للنازحين في طويلة ومليط والدبة وغيرها من المدن والقرى، ومن تبقى بالفاشر.
إنني أدعو لإيقاف هذه الحرب فورا فكفانا موتا وتعذيبا وتشريدا وتحطيما لبلادنا.



