رأي

الوقت لا يحتمل الأخطاء : هل تتعلم القوى المساندة للجيش من دورس سقوط الفاشر 

د. عبدالله المحجوب أحمد 

بعد سقوط الفاشر لم يعد المشهد السوداني يحتمل التبرير أو الخطاب الإنشائي فالحقيقة واضحة: استمرار إدارة الدولة بهذه الطريقة لن ينتج سوى مزيد من الأزمات والانهيارات. القوى المساندة للجيش ومعها الحكومة الانتقالية تتحملان مسؤولية أساسية في ضعف الأداء التنفيذي وغياب الرؤية الواضحة لإدارة المرحلة رغم ما يملكه السودان من فرص وقدرات

إن التعامل مع الأزمات بردود الأفعال والاعتماد على الارتجال بدل التخطيط جعلا الدولة تبدو مرتبكة في لحظة تحتاج فيها إلى وضوح الاتجاه ووحدة القرار. السودان اليوم أمام فرصة حقيقية لاستثمار التضامن الدولي المتزايد في مواجهة المليشيا لكن هذه الفرصة قد تضيع كما ضاعت غيرها إن لم تدار بعقلية مسؤولة تضع المصلحة الوطنية فوق الحسابات السياسية الضيقة

الجيش يظل صمام الأمان للدولة وحائطها الأخير في وجه الفوضى والتفكك لكن نجاحه العسكري لا يكتمل دون غطاء سياسي واقتصادي قوي ودون إدارة مدنية رشيدة تعرف كيف تدير الموارد وتدعم الجبهة الداخلية لا يمكن أن يتحمل الجيش وحده عبء الحرب والسياسة والاقتصاد في آن واحد بينما تهدر الأموال وتدار المؤسسات بعقلية العلاقات والمجاملات

الإنفاق غير المنضبط والفساد الذي يتسرب من كل مفصل والإعلام الذي يغيب عنه المضمون الوطني كلها عوامل تضعف ثقة الناس في الدولة ولا يمكن لأي نظام أن يصمد إذا تآكلت الثقة بينه وبين شعبه السودان اليوم بحاجة إلى إدارة ميدانية حقيقية تعيد الاعتبار للإنتاج المحلي وتربط الاقتصاد بمعاش الناس وتعيد ترتيب الأولويات بما يخدم الاستقرار قبل أي شيء آخر

كما أن الشعب السوداني يجب أن يكون في قلب المعادلة فهو الطرف الأهم في معركة الوعي والصمود لا يمكن كسب الحرب أو تحقيق السلام دون تمليكه الحقائق بشفافية وإشراكه في القرار فالمعركة لم تعد فقط في الميدان بل في وعي الناس وثقتهم بأن الوطن مازال يستحق النهوض

المراجعة الجادة تبدأ بالاعتراف بالأخطاء وبأن كثيراً من الجهود السابقة كانت سطحية وتفتقد العمق والرؤية. المطلوب الآن ليس جلد الذات بل تصحيح المسار وبناء إدارة مسؤولة تربط بين القول والفعل وتعيد الثقة لمؤسسات عبر الشفافية والمحاسبة والعمل المنهجي

القوى السياسية المساندة للجيش أمام اختبار تاريخي فإما ان تثبت قدرتها على تجاوز مرحلة الشعارات إلى مرحلة الفعل الوطني الصادق أو أن تكرر ذات المسار الذي قاد إلى سقوط الفاشر . التاريخ لا برحم والوطن لا يحتمل مزيدا من التهاون او الحسابات الصغيرة

ومع ذلك مازال الأمل قائما فالسودان قادر على تجاوز هذه المرحلة الصعبة إذا وجدت الإرادة السياسية وتغيرت أدوات العمل فالتاريخ لا ينصف من يبرر الأخطاء بل من يتعلم منها ويصلحها وإن كنا قد خسرنا معركة في الفاشر فالأهم ألا نخسر الدرس فإما أن نتعلم اليوم أو نعيد غداً أخطاء لا يحتملها وطن أنهكته الحروب وأضناه الفساد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى