رأي

مردود الإصرار على التشغيل في ظل تهديد المسيّرات: التأمين على الطائرات نموذجًا

إبراهيم عدلان

المقدمة
لا شك أن قدرًا عاليًا من التنسيق قد تم بين جهات عديدة قبل إرسال إحدى طائرات بدر للطيران للهبوط والإقلاع من مطار الخرطوم فيما عُرف بـ(Proving Flight)، ولا أشك أن جهات عسكرية نافذة قد دفعت بهذا الاتجاه، لكن سلطات الطيران المدني بدورها حاولت أن تُظهر جاهزيتها للدفاع عن إمكانية التشغيل الآمن لمطار الخرطوم.
ولا ريب أن لجان تقييم المخاطر قد انعقدت في رئاسات الجهات المعنية كافة، فإصدار نشرة الـ(NOTAM) يُعد خطوة مفصلية في عملية إعادة الفتح. ومع ذلك، يبقى الأثر النفسي للنجاح في الفتح هو المحرك الأبرز في هذا القرار، لما يحمله من رمزية سياسية ومعنوية أكثر من كونه قرارًا مؤسسًا على تقييم موضوعي لمستوى المخاطر.
أولاً: بين الرمز السياسي والمخاطرة الفنية

قرار تشغيل مطار الخرطوم في ظل تهديد المسيّرات لا يمكن فصله عن السياق السياسي والعسكري الراهن؛ فإعلان الفتح يُراد به رفع المعنويات وتأكيد السيطرة الرمزية على العاصمة، غير أن مردوده الفني والأمني مختلف تمامًا.
فالمسيّرات باتت تمثل الخطر الأكثر تطورًا وتعددًا في بيئة الطيران الحديثة، إذ يمكن لطائرة صغيرة غير مأهولة أن تُحدث أضرارًا كارثية بطائرة ركاب أو منشأة مدنية، مما يجعل القرار التشغيلي في بيئة كهذه محفوفًا بالمخاطر القانونية والاقتصادية.
ثانياً: التأمين على الطائرات
في مناطق النزاع

التأمين في مثل هذه البيئات يخضع لبنود صارمة تحددها شركات عالمية كـ”لويدز” و”أليانز”، وهي عادة تستثني أضرار المسيّرات والهجمات المجهولة المصدر إلا في حال وجود ملحق خاص (War Risk Endorsement).
وفي غياب غطاء تأميني شامل، فإن أي حادث — حتى لو كان محدودًا — لن يشمله التعويض، ما يعني أن الخسارة تقع مباشرة على المشغّل الوطني أو الدولة المضيفة.
وتشير سوابق مماثلة في اليمن وليبيا وأوكرانيا إلى أن مجرد إدراج مطار في قائمة المخاطر العالية يرفع أقساط التأمين أضعافًا مضاعفة، ويؤدي عمليًا إلى عزوف الشركات الأجنبية عن التشغيل أو المرور الجوي عبر مجاله.
ثالثاً: أثر التشغيل على
السمعة والسيادة الجوية

الإصرار على التشغيل رغم غياب الأمن الجوي الكافي يُضعف من مكانة السلطة الوطنية للطيران المدني أمام المجتمع الدولي، ويعرّضها لاتهامات بالتسييس أو غياب الحياد الفني.
كما أن أي حادث طيران في هذه المرحلة — مهما كان بسيطًا — يمكن أن يؤدي إلى إدراج السودان في قوائم الحظر الجوي الأوروبية والدولية مجددًا، ما يُقوّض كل الجهود المستقبلية لاستعادة الثقة.
رابعاً: التوازن المطلوب

من الناحية السيادية، لا يُنكر أحد حق الدولة في إعلان جاهزية مطاراتها، لكن من الناحية المهنية، يجب أن يُستند القرار إلى تقييم شامل للمخاطر (Risk Assessment) تُشارك فيه إدارات السلامة والأمن الجوي والتأمين.
فالفتح الممنهج يبدأ بإجراءات محدودة، مثل رحلات إغاثية أو رحلات اختبار فنية مغلقة، وليس بعمليات تشغيل تجاري واسعة دون ضمان الحماية من التهديدات الجوية.
الخاتمة

إن مردود الإصرار على التشغيل في ظل تهديد المسيّرات يتجاوز الجانب المعنوي أو السياسي، إذ يمكن أن يفضي إلى انعكاسات تأمينية وقانونية خطيرة، ويعيد ترتيب موقع السودان في خارطة السلامة الجوية الدولية.
فالتأمين على الطائرات في بيئة غير مؤمنة هو إلغاء عملي لمبدأ السلامة، وهو ما لا يمكن تبريره لا مهنياً ولا أخلاقياً.
ويبقى الطريق الآمن هو التقييم الواقعي للمخاطر، واستعادة التشغيل تدريجيًا تحت مظلة مؤسسية، لا دعائية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى