رأي

المجلس الأعلى للنيابة العامة …. الفريضة الغائبة في منظومة النيابة العامة

بقلم: د. نصر الدين ابوشيبة الخليل

أكاديمي قانوني

في منظومة العدالة الجنائية في السودان، تمثل النيابة العامة حجر الزاوية في تحقيق سيادة القانون وضمان الحقوق والحريات. ومع ذلك، فإن غياب المجلس الأعلى للنيابة العامة عن الهيكل المؤسسي للنيابة العامة يشكل ثغرة تنظيمية ذات أثر بالغ على استقلالية هذا الجهاز الحيوي. فالمجلس، بوصفه إطارًا إشرافيًا وتنسيقيًا، لا يُعد ترفًا مؤسسيًا، بل ضرورة قانونية تفرضها مقتضيات الحكم الرشيد وتوازن السلطات. هذا المقال يتناول إشكالية غياب المجلس الأعلى للنيابة العامة في السودان، من منظور قانوني ومهني نسعى من خلاله إلى لفت النظر إلى أهمية وجود هذا المجلس كخطوة إصلاحية تواكب التطلعات في بناء نيابة عامة مستقلة وفاعلة ويمكن القول إن النيابة العامة بدون وجود هذا المجلس حرفياً هي بلا مظلة مؤسسية خاصة في ظل التغيير المستمر في منصب النائب العام فقد تعاقب على هذا المنصب ثمانية نواب عامين خلال ثماني سنوات فقط وهذا الرقم – في تقديري – لا يُعبّر عن حالة صحية، بل يدل على غياب الاستقرار الإداري، وانعدام الرؤية المؤسسية للعمل داخل النيابة العامة فكل نائب عام يأتي برؤية مختلفة، ويغادر قبل أن تكتمل ملامحها، مما ترتب عليه أن تكون النيابة العامة رهينة للقرارات الفردية والرؤية الفردية في إدارتها ، ولا تعتمد على سياسات مؤسسية واضحة مجازة من جهة مرجعية مختصة.

وتنبع أهمية المجلس الأعلى للنيابة العامة من أهمية الاختصاصات والسلطات الممنوحة لهذا المجلس فقد وضحت المادة (5) من قانون النيابة العامة لسنة 2017 أن الاختصاص الرئيس للمجلس الأعلى للنيابة العامة يتمثل في وضع السياسة العامة والشئون العامة لسلطة النيابة العامة وحماية استقلال أعضاء النيابة العامة وايضاً من ضمن الاختصاصات المهمة لهذا المجلس ما يلي:

1- اجازة السياسة العامة للنيابة العامة.

2-التنسيق بينم الأجهزة العدلية وأجهزة انفاذ القانون والعمل على إزالة معوقات العدالة الجنائية في مرحلة المحاكمة.

3-وضع الخطط والبرامج اللازمة لتحسين الأداء وزيادة الفعالية وتعزيز النزاهة والشفافية واتخاذ ما يلزم من قرارات وإجراءات لتنفيذها.

4-اقتراح خطط وبرامج لتطوير النيابة العامة وأي تشريعات لازمة لذلك.

5-واجازة التقرير السنوي عن أوضاع النيابات العامة وسياسة التعيين ومعايير التقييم المتبعة وأنواع أي جزاءات ادارية تم فرضها وعددها مع بيان ما يتم من تنفيذه من خطط وبرامج لتحسين الأداء، وزيادة الفعالية، وتعزيز النزاهة، والشفافية.

6- البت في تظلمات أعضاء النيابة العامة وترقيتهم ونقلهم وندبهم واعارتهم وفق الأحكام والإجراءات الواردة في قانون النيابة العامة لسنة 2017.؟

7- التوصية لرئيس الجمهورية بتعيين أعضاء النيابة العامة.

8- الموافقة على توصية النائب العام بعزل مساعدي وكيل النيابة العامة وفقاً لأحكام القانون.

9- التوصية بترقية أعضاء النيابة العامة وفقاً لأحكام القانون

10- التوصية لرئيس الجمهورية بتعديل جدول عدد أعضاء النيابة العامة وجدول المرتبات، والمخصصات، والبدلات، والعلاوات.

11- اقتراح أي مشروعات قوانين او لوائح ذات علاقة بالنيابة العامة واعضائها ورفعها للجهات المختصة.

12- طلب البيانات اللازمة من الجهات الحكومية وغيرها.

13- دراسة تقارير مرفوعة إلى المجلس عن سير العمل في النيابات العامة واتخاذ القرارات اللازمة بشأنها وفق أحكام القانون.

14- دعوة من يرى الاستعانة به في المسائل المعروضة عليه

ووجود هذا المجلس آثار إيجابية عديدة فهو يحقق الأهداف التالية:

أولاً: استقرارًا إداريًا طويل الأمد في النيابة العامة.

ثانياً: يوفر معايير مساءلة مؤسسية شفافة ويتيح تقييم أداء النيابة وفق مؤشرات واضحة.

ثالثاً: يشكل خط دفاع اول للنيابة العامة ويمنحها حصانة من التدخلات السياسية

رابعاً: يساعد في توفير بيئة مهنية محفزة لأعضاء النيابة والكوادر المساعدة فيها ويعزز الثقة داخل النيابة العامة مما ينعكس ايجاباً على تعزيز استقلالية وكيل النيابة في أداء واجباته القانونية.

وتأسيساً على ما تقدم نجد ان غياب المجلس الأعلى للنيابة العامة غياب تترتب عليه كلفة باهظة الثمن فغياب هذا المجلس يؤدي لا محالة إلى:

اولاً: تذبذب السياسات الداخلية للنيابة لعدم وجود سياسة عامة للنيابة العامة مجازة تقوم الإدارة التنفيذية للنيابة العامة ممثلة في النائب العامة ومساعديه بتنفيذها.

ثانياً: ضعف ثقة الجمهور في حيادها لعدم توفر معايير محاسبة ومساءلة شفافة بسبب عدم وجود الخطط والبرامج اللازمة لتحسين الأداء في النيابة العامة وزيادة الفعالية وتعزيز النزاهة والشفافية واتخاذ ما يلزم من قرارات وإجراءات لتنفيذها.

ثالثاً: غياب خطة استراتيجية موحدة في النيابة العامة لان المجلس الأعلى للنيابة العامة هو الجهة المختصة قانوناً بوضع هذه الخطة فالعمل الآن يتم وفقاً لرؤية النائب العام مما يؤدي الى فرض عبء كبير إضافي على النائب العام ومع التغيير المستمر في شخص النائب العام تظهر الحاجة الملحة لوجود سياسة عامة وخطط واضحة بأهداف محددة وبمواقيت زمنية محددة يتم تنفيذها بصرف النظر عمن هو النائب العام والمجلس الأعلى للنيابة العامة هو المناط به قانوناً وضع السياسة العامة للنيابة ووضع الخطط والبرامج اللازمة لتحسين الأداء في النيابة العامة.

رابعاً: في غياب المجلس الأعلى للنيابة العامة تكون بيئة العمل في النيابة العامة غير مستقرة ومحبطة للكفاءات وذلك لأن وجود المجلس يمثل الملاذ الحصين الذي يحول دون تعسف السلطة التنفيذية للنيابة العامة بحقهم.

خاتماً…

إن غياب المجلس الأعلى للنيابة العامة لا يمثل مجرد نقص تنظيمي، بل هو خلل بنيوي ينعكس على استقرار السياسات العدلية المتبعة في النيابة العامة، ويضعف مناعة المؤسسة في مواجهة التحديات. فالمجلس هو الأداة التي تمنح النيابة إطارًا مؤسسياً يضمن وضوح الرؤية، واستمرارية السياسات، وحماية استقلال اعضائها. لذا فإن الدعوة لاستكمال تكوين هذا المجلس هو دعوة لتقوية منظومة العدالة عبر إرساء مؤسسات راسخة تُبنى عليها سيادة القانون ولعل العلاج يكمن في الإسراع بإنفاذ النصوص القانونية المتعلقة بالمجلس والواردة في قانون النيابة العامة لسنة 2017 وتفعيلها، بما يضمن أن تصبح النيابة العامة مؤسسة مستقرة، محصّنة من التدخلات، وقادرة على أداء رسالتها في تحقيق العدالة وصون الحقوق والحريات.

فهل حان وقت أداء هذه الفريضة بتعيين مولانا انتصار أحمد عبدالعال نائباً عاماً؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى