سؤال للحلف الجنجويدي: كيف تلعن الصانع وتحضن المصنوع؟

معتصم اقرع
ثمة تناقض صارخ وكذوب في الخطاب السياسي السوداني الراهن، يتمثل في الادعاء المتواصل بأن “الجنجويد من صنع الإخوان المسلمين”. هذا الادعاء ليس فقط تبسيطاً مخلاً للحقائق، بل هو أيضا ذريعة واهية لتبرير تحالفاتٍ أكثر خطورة.
فبدايةً، التوصيف نفسه غير دقيق؛ فالجنجويد هي ولدوا من جعبة نظام البشير وأجهزته الأمنية تحديداً، وليس “الإخوان” ككيان متعدد المراكز ومتشظّ – بعضه كان داخل الحكومة وبعضهم خارجها يحاربها بالسلاح وبالسلمية. ولكن لنضع هذا الجدل جانباً ونفترض جدلاً صحةَ الادعاء نفسه. هنا يبرز التناقض العاري:
إذا كان الإخوان المسلمون فاسدين وأنجبوا هذه “الميليشيا الإجرامية”، فكيف تُبرّرون تحالفكم معها اليوم؟ كيف توقعون معها “إعلان أديس أبابا” (2024)، وتطالبون أهالي الجزيرة وغيرهم بالتعاون معهم وتشكيل مجالس حكم مشتركة؟ بل كيف ينضم رفاق الأمس منكم إلى حكومتهم المُسماة “تأسيس”؟
لا يمكن للعقل أن يستوعب هذا المنطق المزدوج: أن تلعن الوالد وتبارك الملولود بالتحالف معه وتوقيع الإتفاقيات! إما أن الجنجويد هم امتداد لإرث إجرامي، وبالتالي فإن التحالف معهم خيانة وجريمة، وإما أنه مجماعة مشروعة، عادية ومقبولة تجوز الشراكة معها بالمعاهدات والشراكات المتناغمة. ولكن في هذه الحالة يسقط كل اتهامكم للإخوان بولادة الجنجويد ويتحوّل إلى مجرّد هذرٍ في معركة سياسية فارغة.
فاختروا واحدا من الموقفين: إما أن الجنجويد رجس من رحم الأخوان وهنا لا يجوز التعاون معهم في أديس أو في نيروبي. أو أنهم طفل شرعي يجوز التعاون معه وفي هذه الحالة عليكم أن تكفوا عن إدانة ميلادهم من رحم البشير، بل عليكم أن تشكروا بشة لانه ولد وربي حليفكم.
الحمد له، نحن لا نعاني من هذا المازق المنطق-اخلاقي فقد كنا ضد الجنجويد منذ ميلادهم في ٢٠١٣ وظللنا ضدهم في أيام الشراكة الإنتقالية المثالية المتناغمة وواصلنا ضدهم بعد إندلاع الحرب.



