تقارير

“شركة الكوكايين”: كيف تتحول أموال المخدرات البريطانية إلى ذهب في دبي؟

مقدمة

كشفت صحيفة The Times البريطانية، ضمن سلسلة استقصائية بعنوان Cocaine Inc، عن واحدة من أخطر شبكات غسيل الأموال في العالم، حيث تتحول مليارات الجنيهات القادمة من تجارة المخدرات البريطانية إلى ذهب خالص داخل أسواق مدينة دبي. التحقيق يسلّط الضوء على ثغرات الرقابة المالية، وكيفية استغلال سوق الذهب الإماراتي كأداة مثالية لإخفاء آثار الجريمة المنظمة.

مسار الأموال من شوارع لندن إلى أسواق الذهب

بحسب التحقيق، فإن العملية تبدأ من شوارع لندن ومانشستر وليفربول، حيث تُجمع أرباح تجارة الكوكايين نقدًا. هذه الأموال تُهرّب خارج بريطانيا بواسطة ما يُعرف بـ”نواقل النقد” (Cash Mules)، وهم أفراد يتم تجنيدهم خصيصًا لنقل حقائب مالية ضخمة عبر المطارات، تحتوي أحيانًا على أكثر من نصف مليون جنيه إسترليني.

بمجرد وصولهم إلى دبي، يتم تسليم الأموال لشبكات مالية متخصصة تعمل في شراء الذهب. هذه الشبكات لا تحتاج إلى إجراءات معقدة أو تدقيق مصرفي صارم، خصوصًا عند شراء كميات تصل إلى ثلاثة كيلوغرامات من الذهب في صفقة واحدة، حيث يكفي إبراز جواز السفر فقط.

الذهب: وسيلة الغسيل المثالية

يشير التحقيق إلى أن الذهب يشكل وسيلة آمنة وسهلة لغسل الأموال، نظرًا لقيمته العالمية وإمكانية إعادة تشكيله. فالمجرمون غالبًا ما يحوّلون الأموال إلى سبائك أو مجوهرات صغيرة الحجم يمكن ارتداؤها أو إخفاؤها بسهولة تحت الملابس، لتعود بعد ذلك إلى أوروبا أو تدخل مجددًا النظام المالي عبر صفقات تجارية مشروعة ظاهريًا.

الوكالة الوطنية للجريمة في بريطانيا (NCA) أكدت للصحيفة أن هذه الممارسات ليست استثناءً بل أصبحت نمطًا متكررًا، مستغلاً جاذبية دبي كمركز عالمي للذهب، حيث يُتداول في أسواقها أكثر من 10 أطنان من الذهب يوميًا.

الشركات الوهمية والروابط الإفريقية

التحقيق كشف أيضًا عن وجود شبكة من الشركات الوهمية وشركات الواجهة، تعمل كوسيط بين الأموال القذرة في بريطانيا وتجار الذهب في دبي. بعض هذه الشبكات ترتبط مباشرةً بمناجم ذهب غير قانونية في إفريقيا، ما يضيف بعدًا آخر من التعقيد، حيث يُستخدم الذهب المستخرج بطرق غير شرعية كغطاء لتبرير التدفقات المالية الهائلة.

غياب الرقابة ومخاطر دولية

يرى خبراء تحدثوا للصحيفة أن ضعف الرقابة المالية والرقابية على سوق الذهب في دبي ساهم في جعلها بيئة مثالية لعمليات غسيل الأموال. فالذهب لا يحتاج إلى حساب مصرفي ولا يترك أثرًا إلكترونيًا، مما يجعل تتبّع الأموال شبه مستحيل.

وتحذر الوكالة الوطنية للجريمة من أن هذه الثغرة تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي البريطاني، حيث تُموَّل بها شبكات الجريمة المنظمة وتُغذّى تجارة الكوكايين التي تدمّر حياة الآلاف سنويًا.

الخلاصة

يُظهر التحقيق كيف تتحول مدينة مثل دبي إلى حلقة مركزية في تجارة المخدرات العالمية، ليس كمركز للتوزيع، بل كـ”مغسلة ذهب” تنظف الأموال القذرة وتعيدها إلى الأسواق الأوروبية بشكل شرعي. ورغم التحذيرات الأمنية، لا تزال هذه العمليات مستمرة على نطاق واسع، مستفيدة من ثغرات القوانين والرقابة الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى