التكييف العسكري للتحرك غير المأذون في أحوال السلم، التوتر، التحشيد أوالحرب

( تعليق على قصة من أطلق النار أولاً) تحرك بلا أوامر= تمرد
عميد د. م محمد الزين محمدأحمد
أولاً:
من القواعد المستقرة في الجيوش أنّ للحرب أربعة أوجه: الهجوم، الدفاع، التقدم، والانسحاب. ولذلك، فإن كل تحرك عسكري – سواء كان تقدماً أو انسحاباً – هو فعل حربي بامتياز، يجب أن يتم ضمن منظومة القيادة والسيطرة وتحت إشراف الاستخبارات والعمليات. وهذا ينطبق على التحركات العسكرية والمدنية على السواء، خاصة إذا صدرت عن كيانات رسمية أو شبه رسمية.
ثانياً:
في النظم المحترفة، أي تحرك لقيادات الدولة – سواء مدني أو عسكري – دون إخطار العمليات والاستخبارات يُعد تجاوزاً خطيراً.
• على المستوى المدني، يُعد مخالفة إدارية و سياسية تستوجب المساءلة.
• أما على المستوى العسكري، فالمخالفة أخطر، وترقى إلى مستوى الجريمة العسكرية، وقد تستوجب المحاكمة وفق قوانين الطوارئ أو الأحكام العسكرية، لأن مثل هذا السلوك يخل بتوازن القوة ويهدد الأمن القومي.
ثالثا:
مثال لتحرك قيادات دولة مدنية: على أعلى مستويات الدولة، فإن التحرك يخضع لمنظومة الانضباط والتنسيق؛ فلو قرر رئيس الولايات المتحدة، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، أن ينتقل من مدينة إلى أخرى داخل بلاده، لا بد من إخطار الجيش مسبقاً، والحصول على موافقة عملياتية، والمقصود بالموافقة هنا ليس الإذن السياسي، بل التنسيق الأمني والاستعداد الميداني، بحيث تُبلغ الوحدات المعنية بأن الرئيس سيتحرك عبر المسار الفلاني، في التوقيت الفلاني، وعلى كل وحدة أن تكون في وضع الجاهزية والاستعداد. هذا لا يُعد ترفاً أو بروتوكولاً، بل جزءاً من عقيدة الأمن القومي والانضباط العسكري.
مثال لتحركات عسكرية: وبالمثل، فإنّ أي قوة عسكرية لا تملك حرية التحرك بلا أمر واضح (وموافقة من العمليات والاستخبارات)، يتطلب ذلك “أمر تحرك” وإشارة مسبقة بالتنسيق والموافقة، تُسجل وتحفظ في دفاتر العملياتوالاستخبارات. وهذا هو معنى الانضباط العسكري الحقيقي: أن لا تتحرك بندقية واحدة، ولا مركبة، ولا فرد، إلا وفق أمر واضح وتسلسل قيادي معروف.
رابعاً:
إذا أسقطنا هذا المبدأ على واقعة تحرك قوات الدعم السريع نحو مروي يوم 14 أبريل 2023، فإن ما حدث يشكل فعلاً عدائياً صريحاً، حتى وإن تم تحت غطاء “إعادة الانتشار” أو “التمركز المؤقت”، لأنه:
• تم دون إخطار القيادة العامة أو هيئة العمليات المشتركة أو الاستخبارات، أو حتى القائد العام كون هذه القوات تعمل تحت اشرافه ( تم الغاء المادة الخامسة من قانون الدعم السريع، ولكن نص المادة السادسه واضح في أنها تتبع للقوات المسلحة وتعمل تحت امرة القائد الأعلى).
• جرى التحرك في منطقة عسكرية ذات طبيعة استراتيجية (مطار مروي، وبه قاعدة عسكريه وطائرات حربية، شمال البلاد).
• تم خارج تسلسل القيادة والانضباط العسكري، وتسبب في استفزاز غير مسبوق داخل الجيش السوداني.
• مثّل أول شرارة فعلية لانهيار الثقة بين القوات المسلحة والدعم السريع، وبداية العد التنازلي لانفجار الحرب في 15 أبريل.
خامساً وآخيراً:
هذا التحرك كان بمثابة إعلان للحرب، وخرقاً واضحاً لقواعد التنسيق العسكري والسيادة الوطنية. وقد كان على الدولة أن تتعامل معه في حينه بصرامة أكبر، لأنه – وفق قواعد الاشتباك – لا يمكن تفسير أي تحرك غير منسق لقوة مسلحة مستقلة داخل الدولة إلا كعمل تمرد أو تهديد مباشر للجيش والدولة.



