إزرعوا في مشروع الجزيرة الزراعي

عبداللطيف-البوني
هناك إجماع بأن مشروع الجزيرة الزراعي ذا موارد مهولة.. بعبارة أخرى له معطيات طبيعية… بتاعت ربنا مباشرة… أرض سهلية طينية منبسطة منحدرة انحدارا تدريجيا خفيفا مساحتها أثنين مليون فدان ومائتين ألف (بنات حفرة)… وشمس مدارية ساطعة… وصيف ممطر وشتاء جاف…. وله إمكانيات مصنوعة أهمها الخزان والقنوات والقناطر والكباري.. .. ويمكننا أن نضيف تراكم الخبرات البشرية والمادية.. وهذة تتمثل في المزارعين والعمال الزراعيين… و(هنا لن أذكر الإداريين إلا باعتبار ما يكون)… أما المادية فتتمثل في وجود الآليات خفيفة (لساتك) وثقيلة (مجنزرات) من التراكتورات إلى الحاصدات الحديثة التي يصل سعر الواحدة منها إلى مليون دولار… مرورا بالدوزرات والشيولات البوكلينات (الحفارات الحديثة) مش كراكات… هذة الآليات لاتملكها الدولة ولا شركات كبيرة… بل لدى أفراد من المزارعين وهي اليوم (مجدعة) في قري الجزيرة مثل كبابي الشربوت في يوم العيد..
مع كل هذة الامكانيات المهولة فإن الناتج في غاية الهزال….
نعم مشروع كان شايل البلد كلها.. مشروع الجزيرة ينتج اليوم عشرات المحاصيل… ومشروع الجزيرة كيت وكيت.. ولكن كل هذا إذا نسبناه لإمكانيات المشروع سيبدو متواضعا… بعبارة ثالثة إن مشروع الجزيرة يمكن أن يعطي أضعافاً مضاعفة بذات المعطيات القائمة فيه الآن إذا غيرنا السياسات المتبعة فيه الآن…. بلغة الكمبيوتر المعاصرة إن هذا المشروع العملاق يحتاج إلى ضبط مصنع في السوفتوير وليس الهاردوير….. بعبارة ثالثة إن البنية التحتية في مشروع الجزيرة من أبدع ما يكون (زي البمب) ولكن المشكلة في البنية الفوقية… وحتى في هذه الأفكار التي تضعها في السليم على قفا من يشيل….. موجودة في المبادرات وفي الدراسات وفي صدور الرجال… فالعين بصيرة والحيلة قليلة… لماذا؟ نؤجل الإجابة دي شوية.. فالآن خلونا مع نقص القادرين على التمام وهي من أعيب عيوب الناس.. كما قال الشاعر… كان أبو العلا المعري إذا قال الشاعر مُعرفة بالألف َواللام فإنه يقصد المتنبي فقط…
ذهب الناس مذاهب شتى في تطوير مشروع الجزيرة ليكون في مستوى معطياته… فمنهم مـَن ركز على التصنيع الزراعي ومنهم من طالب بإدخال الحيوان في الدورة الزراعية… ومنهم من شطح وطالب بتحويله إلى شركة مساهمة عامة إسمها فدادين المزارعين … الحمد لله حتى الآن مافي زول قال شيلوا كل الناس الموجودين فيه الآن وأرموهم في الكوشة وجيبوا ناس تانيين.. ولا ياربي (الحربه) الجارية الآن عشان كدي؟
كل الأفكار الإصلاحية والتطويرية التي قيلت في حق مشروع الجزيرة معقولة ومطلوبة….فقط تحتاج إلى رأسمال وإرادة …ولكن ماذا تقولون لو قلت لكم إن مشروع الجزيرة محتاج إلى زراعة … نعم زراعة الواحدة دي… طيب ماهو أصلا مشروع زراعي كيف يحتاج إلى زراعة؟… أقول ليك كيف… بس خلي بالك معاي شوية..
هل تصدق أن مشروع الجزيرة بمساحته الكبيرة دي لا يمكنك اليوم أن تزرع فيه سرابة برسيم واحدة… وذلك لأن دورة حياة شتلة البرسيم الحالية تصل إلى أربع سنوات… بينما الحد الأقصى لعمر أي نبتة في مشروع الجزيرة تسعة أشهر فقط وهي نبتة القطن… التي صممت الدورة الزراعية الرباعية عليها… بعد ذلك تنقطع المياه عن القنوات لمدة أقلها شهرين يتحول كل المشروع إلى صحراء جرداء.. صحراء وبالقانون كمان… شفت كيف؟
في السنوات الأخيرة تسلل القطن المحور وراثياُ هندي وصيني إلى مشروع الجزيرة… نقول تسلل لأن سدنة القديم من الإداريين وقفوا أمامه ألفاً أحمرا… ولكن قوة الأمر الواقع فرضته فرضا… شجرة القطن من هذا النوع من القطن دورة حياتها تصل إلى أربع سنوات ولكن في الجزيرة يجني منها ما تنتجه من قطن مرتين فقط أو على الأكثر ثلاث مرات.. في الجزيرة تسمى المرة الواحدة لقطة… بعد اللقطتين أو الثلاثة على الأكثر تعدم هذة الشجرة بقطع الماء عنها… لأن الدورة الزراعية قالت كدا… أي تعدم مع سبق الإصرار والترصد دون أن تكون قد أعطت ولا عشرة في المية من طاقتها الإنتاجية …
فتخيل عزيزي القاريء بذرة شتلة البرسيم و بذرة شجرة القطن ظلت تعطي في الزراعة لمدة أربع سنوات متواصلة… دون تجديد تقاوي دون تحضير جديد… فقط شوية مخصبات وشوية مبيدات إذا دعى الأمر… ستكون تكلفة الإنتاج انخفضت إلى الربع… وستكون ثبت محاصيلك في السوق العالمية… وستكون خفضت استهلاك الماء… وستكون خفضت العمليات الفلاحية.. وستكون… وستكون…
وهنا يمكنك أن تقول بتلقائية شديدة … طيب وين المشكلة… ما تغيروا الدورة الزراعية؟ وعشان نرفع ضغطك نقول إيه رأيك إن الدورة الزراعية قد تم تغييرها منذ عام 1992 عندما تحولت من رباعية إلى خماسية من أجل إدخال الحيوان ويمكن الآن أن يُضاف للحيوان تلك النباتات التي زاد عمرها بفضل الهندسة الوراثية في مجال الزراعة أي التي طورها العلم… فالمهم هو أن القصاد الخامس استثني من قطع الماء عنه… في الجزيرة يقال للقصاد تلات……وهنا سوف تسأل… طيب طالما إن الدورة طبقت لماذا لم يدخل الحيوان أو تزرع هذة النباتات التي أصبح عمرها طويل نسبياً حتى الآن؟ هنا نقول لك أسأل العنبة الرامية في بركات وفي الخرطوم… مدني بره اللعبة.. إنه الفساد الإداري بلحمه وشحمه فابقوا معنا إن شاء الله…



