ياسر العطا.. جنرال المناورات العسكرية والسياسية
بروفايل – عطاف عبدالوهاب
في العام ١٩٦٢م وعلى ضفاف النيل الخالد، وبعاصمة الشايقية (كريمة)، بشرت القابلة، العم عبد الرحمن العطا بولد، ابتهجت له أساريره.. فما زال الناس هناك يحبون بشرى الذكور، وترعرع ياسر مع أبيه في شتى مدن السودان، لأن والده كان موظفاً بالبوستة، ولذلك تنقل كثيراً جداً، من مدينة إلى مدينة ومن محافظة إلى محافظة، تفتقت فيها ذهنية ياسر واكتسب الكثير من المعارف وصارت لديه ارتباطات وثيقة بكل أجزاء السودان.
التعليم
وبكريمة درس ياسر العطا كل مراحله الدراسية، مشرئباً بروح الشايقية في عاصمتهم، وكان يعود إلى الدروشاب – كما حدثني أحد أفراد أسرته – في الإجازات ليقضيها أيضاً مع أسرته أو في أي مدينة كان بها والده.
وبالعام ١٩٨٢م تخرج ياسر في الكلية الحربية السودانية الدفعة (٣٣)، لينطلق للعمل بكل الوحدات، وشارك مشاركات فعالة في حرب الجنوب، حيث لقب ببطل أبطال العبور، فالشجاعة متوارثة لدى أسرة ياسر، إذا علمنا أن جده لأبيه هو أمير المهدية العطا ود الصول الملقب بالعطا (الدود) وهو الأسد.
ياسر العسكري
سألت بعضاً من دفعة ياسر (٣٣) عن ياسر في الكلية الحربية، فقالوا إنهم لا يكادوا يذكرونه، لأن هناك أشياءً كثيرة يمكن أن تذكر الطلبة الحربيين ببعضهم، يقولون انه لم يكن معروفاً في الكلية الحربية ولم يكن ظاهرا، أو شاذاً في دفعته. وعموما فإن الطالب الحربي الذي (يقتل ضلو) يمر سريعاً في الكلية، إذ لا جزاءات تجمعه مع إخوانه أو (كركون) أو أي شئ من قبيل معرفة الضباط ببعضهم البعض في الكلية.
صيف العبور
هذا عندما كان طالبا، ولكن بعد التخرج والعمل تنضح الكتابات في الشبكة العنكبوتية، تهاجم ياسر العطا، وأنه تخلى عن جنوده في معارك الجنوب، وأنه ترك العساكر ليقتلوا بعد إصداره لتعليمات خاطئة.. ومن جانب آخر، يرى البعض أن العطا هو بطل صيف العبور.
ويقول اللواء معاش د. أمين اسماعيل وهو من الدفعة (٣٤) في حديث لنا: “يعتبر ياسر من الضباط المميزين أكاديمياً، احرز درجات عالية في مساره الأكاديمي بالقوات المسلحة، وقد كان معلما بكلية القادة والاركان السودانية، ثم نال دورات تدريبية خارجية وتم انتدابه كملحق عسكري في جيبوتي، وفي تلك الفترة أقام علاقات مميزة بين البلدين من النواحي السياسية والعسكرية، ويتميز بروح الإقدام والشجاعة العالية في العمليات وخاصة في الجنوب، حيث كان له دور كبير جداً في قيادة العمليات ونال شهادة القادة وعدداً من الأوسمة والأنواط، وبعد عودته من الملحقية العسكرية أخذ دورة الدفاع الوطني في أكاديمية نميري العسكرية العليا”.
ويضيف د. أمين القول بأنه من حُسن حظه انه زامل ياسر في كلية القادة والأركان كمعلمين، وأُتيحت له الفرصة ليكون قريباً منهم وملاحظة النبوغ المبكر لياسر العطا.
الإحساس الأبوي
ويؤكد د. أمين أنّ العطا له اهتمام كبير بالجنود والعساكر والضباط الذين يكونون تحت قياداته، فياسر لديه الإحساس الأبوي تجاه مَن يقودهم ويعلمهم، فهو يتفقدهم ويزورهم، وهذا ما ظهر الآن في زيارته للمدرعات وكرري وسلاح الإشارة والجزيرة وسنجة وسنار. واضحٌ أنه يتنقل بين الجنود والأفراد، وهذه هي المنطقة التي يعشقها.
صلة الأرحام
تزوّج ياسر العطا في أواخر التسعينات وله عددٌ من البنين والبنات، ولديه أيضاً من الإخوان والأخوات (٨) أفراد، وهم مجدي ونادر وأحمد وبشير ومالك وإنصاف وإجلال ومنال، أما أعمامه فهم الأميرلاي أحمد العطا والعمدة عثمان ومحجوب وإبراهيم ومحمد وعبد الله وعمه ابن عم أبيه المرحوم الرائد هاشم العطا، كما أن ابن أخته هو الرائد شرطة أحمد الطيب حاج المكي الذي استشهد بعد رباط طويل في الاحتياطي المركزي.
ياسر اجتماعياً
يقول عنه أحد أفراد أسرته الذين سألناهم عنه، إنه رجلٌ اجتماعيٌّ يحب الناس ويتداخل فيهم، يذهب إلى المستشفيات زائراً لمريض أو إلى المقابر مشيعاً لمتوفٍ، تجده وقت الأزمات، وهو صاحب اخلاق عالية ومحبوب للجميع، إضافةً إلى كونه لاعب كرة لا يشق له غبار، فقد كانت شخصيته الكاريزمية تظهر حتى في ميدان الكرة.
لجنة التمكين
ومع بداية تشكيل مجلس السيادة الانتقالي في سبتمبر 2019 وتقسيم المهام بحسب موجهات الوثيقة الدستورية، اُختير الفريق أول ياسر العطا رئيساً للجنة تفكيك نظام 30 يونيو 1989 والسيد محمد الفكي سليمان رئيساً مناوباً، وبدأت اللجنة، أعمالها بعد صدور قانون التفكيك وتعديلاتهِ اللاحقة، وفي ذلك قدم أداءً مهنياً أزعج بعض زملائهِ العسكريين وبعض السياسيين وتلقى انتقاداتٍ دفعته للتوقف عن العمل رغم نشاطهِ وحماسهِ، ولم يظل ياسر بلجنة التمكين طويلاً، فقد قدم استقالته.
وذكر ياسر العطا في إفاداتٍ لصحيفة (السوداني) في فبراير 2021: “إن أسباب الاستقالة تقوم على أن عمل اللجنة تنفيذي، وقبلت به لهشاشة وضع الثورة، ولترسيخ الشراكة في ذلك الوقت”.
وأضاف: “هنالك انتقادٌ مستمرٌ من مستويات الحكم كافة ومعظم مكونات الحاضنة السياسية لقانون ونهج عمل اللجنة، فضلاً عن عدم مباشرة لجنة الاستئنافات عملها، ما عطّل عملنا وأعاق دورة العدالة، أيضاً من الأسباب، التهاتر المُستمر بيننا وبقية أجهزة ومؤسسات الدولة وفي وسائل الإعلام واستقالتي ليست لها علاقة إطلاقاً بحل اللجنة، وقال: لم أطلب حل اللجنة، فقط ذكرت سابقاً، إذا كانت الحكومة بكل مستوياتها وبعض أحزاب الثورة تنتقد اللجنة وقانونيتها ونهجها، فأرى أن من الأفضل حلها، إن كان لا يعجبهم عملها أو نهجها”.
حرب أبريل
حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣، أظهر فيها ياسر العطا شجاعة واستبسالاً، أدهش به القوى السياسية والعسكرية، فقد ظن الكثيرون أن ياسر العطا ربما يتخاذل وهو صاحب العلاقات الجيدة مع قوى الحرية والتغيير، الأمر الذي جعل من البرهان يعطيه اجازة مفتوحه. فقد قال له ذات يوم (انت محتاج للراحة).. والحقيقة أن العطا لم يكن محتاجاً إليها ولكن شك القيادة في علاقته بقوى المقاومة وبقوى الحرية والتغيير جعلها تتخذ هذا الموقف، خاصةً إذا شاهدنا الصورة التي التقطها ياسر مع محمد عربي القيادي بالمؤتمر السوداني في مصر عند زيارة العطا لإبراهيم الشيخ الرئيس السابق للمؤتمر السوداني إثر عملية جراحية.. (اعتذر عربي عن تلك الصورة لأعضاء حزبه لاحقاً).
تصريحات العطا
منذ بداية هذه الحرب، تأخّـر ياسر العطا في الظهور والتصريحات، فقد ظهر البرهان أولاً، ثم ظهر كباشي، وأخيراً ظهر ياسر العطا، وهو مرابطٌ وسط القوات في محور أم درمان. هذه التصريحات ذهبنا بها إلى رئيس تحرير صحيفة (السوداني) عطاف محمد مختار الذي قال فيها: “تصريحات العطا ترتبط كثيراً مع أحوال الجنود في الميدان، أو المتغيرات السياسية، ولا تأتي بمعزلٍ عن الوضع العام لحالة الجيش، خاصةً وأنه مساعد القائد العام” فمثلاً – والحديث لعطاف – العطا أول من تحدث عن (الإمارات) واتهمها بتمويل الدعم السريع، واتهم رئيسها محمد بن زايد بأنه يريد أن ينتهي من شعب السودان بدعمه لعرب الشتات، ويؤكد عطاف، أنّ حديث العطا هذا لم يجرؤ أحدٌ من السياسيين بقوله ولا حتى أعضاء مجلس السيادة، وذلك لأن العطا لديه تقديره الميداني الذي يختلف كثيراً عن تقدير الذين يجلسون في المناطق الآمنة، وياسر عادةً ما يخاطب جنوده.
ويشير عطاف “بأن هناك تبادل أدوار بينه والبرهان، وقد تكون هناك رؤى مختلفة كالذي بينه وكباشي عندما قال الأخير في القضارف إنّ شباب المقاومة الشعبية ينبغي ان ينضبطوا وأن يسلموا أسلحتهم، وإنهم لن يسمحوا بالفوضى، هذا الحديث كان في رمضان المنصرم، وفي اليوم التالي رد عليه ياسر العطا بأنه لن يقبل بأي حديث عن المقاومة التي يوجد بها – حسب قوله – كيزان وحزب أمة واتحاديون وحتى غاضبون بلا حدود ومسيحيون أيضاً، ويقرأ حديث العطا هذا على أنه رد على حديث كباشي الذي نضحت به الأسافير وأثار غضب المقاومة، وهنا كان لا بد لياسر أن يرد، كونه مشرفاً عليهم ومعهم في ميادين القتال ضد المليشيا، ولن يستطع تمرير ما يزعزع الصفوف”.
ويرى عطاف أنّ عمل ياسر الميداني في الجنوب ودارفور ثم كردفان والآن أم درمان، أهّله كثيراً ليكون ملماً بجنوده وعساكره ومخططات العدو، وبالتالي هو أدرى القيادات بوضع الجنود والميدان، “كما يجيد المناورات السياسية، ولعلها وليدة مناوراته العسكرية طوال ٤٠ عاماً في الجيش”.
شجاعة لا تلين
كثيرون كتبوا يتحدثون عن استبسال ياسر العطا ولكننا ننقل ما كتبه موسى داؤود مساعد رئيس حركة التحرير المجلس الانتقالي، حيث قال: “لياسر شجاعة لا تلين ، حيث لحق برفاقه في الكلية الحربية ليصبح جنديًا مقدامًا وقائدًا لا يعرف التراجع. في ميادين الحرب، كان الصوت الذي يبعث الطمأنينة في قلوب جنوده، وفي لحظات الحسم، كان القرار الذي ينقذ الموقف. ظل ثابتًا، صامدًا، متقدمًا الصفوف، رافعًا راية السودان في وجه العواصف