وفود ومؤتمرات ومشاورات.. هل اقترب وقف الحرب في السودان؟
الأحداث – عبدالباسط ادريس
تصدرت حرب السودان أجندة المباحثات الإقليمية والدولية، وتشهد مدينة بورتسودان زيارات عديدة تصب في ذات الاتجاه، فهل اقترب وقف الحرب ونزع فتيل الأزمة التي أودت بحياة آلاف وشردت الملايين من السودانيين ودمرت البنية التحتية أم أن السلام لايزال بعيد المنال.
الزيارة الأهم:
تعتبر زيارة وزير الدولة بالخارجية السعودية وليد الخريجي ولقائه رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان في مدينة بورتسودان الأهم من حيث أنها معلنة النتائج فالزيارة نقلت دعوة قيادة المملكة إلى البرهان لاستئناف محادثات جدة، وأكد الخريجي في تصريح بثته وكالة الأنباء السعودية، حرص بلاده على عودة الأمن والاستقرار للسودان، وما يتطلبه ذلك من تهدئة وتغليب للحكمة وضبط النفس، والحرص على استئناف المفاوضات وإبداء المرونة والتجاوب مع المبادرات الإيجابية والإنسانية.
كما أكد نائب وزير الخارجية السعودي ترحيب بلاده ودعمها لجميع الجهود الأممية والدولية الهادفة إلى تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وللجهود الإنسانية الرامية إلى تخفيف معاناة الشعب السوداني، التي من شأن تضافرها الدفع نحو استكمال ما تم التوصل إليه في “جدة 1، وجدة 2.
وهو مايتطابق مع تسريبات سرت عن القصر السيادي أن البرهان أكد تمسك الحكومة بمنبر جدة ولكنه شدد على ضرورة تنفيذ ماتم التوصل إليه في جدة 1 و2 للشروع فوراً في المحادثات المقبلة.
زيارة آبي أحمد:
في السياق زار رئيس وزراء أثيوبيا آبي أحمد بورتسودان، والتقى الرئيس البرهان الذي أعرب بدوره في تغريدة عن شكره لآبي أحمد لإعلان تضامنه ووقوف بلاده مع السودان وشعبه، لكن مصادر قالت إن رئيس وزراء أثيوبيا أعلن عن رغبته في التوسط بين البرهان وحميدتي.
تطوير اتفاق جدة:
في السياق أفضى مؤتمر الحوار السوداني الذي استضافته مصر لعدة نتائج أهمها التأكيد على ماتم التوصل إليه بين الجيش والدعم السريع في اتفاق جدة وقد أضيف لهذا البند فقرة جديدة هي “تطوير هذا الاتفاق بما يتماشى مع متغيرات الحرب”.
ترتيب أوراق
رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان بدأ منفتحاً على أي جهود داخلية وخارجية لوقف الحرب، لكنه مايزال يتمسك بشروط المضي إلى أي محادثات جديدة وعلى رأسها خروج مليشيا حميدتي من منازل المواطنين وانسحاب كافة المرتزقة الأجانب الذين يقاتلون مع المليشيا ووقف هجماتها على القرى والمدن .
وفي سياق استعداد البرهان للتعاطي مع التحركات الخارجية أعاد ترتيب أوراقه حيث قام بترقية مدير مكتبه اللواء الصادق إسماعيل إلى رتبة الفريق وتعيينه مبعوثاً رئاسياً خاصاً له، فالبرهان بهذا التعيين يدفع بمن يثق فيه للاطلاع بمهام خارجية حساسة يبدو أن بعضها ذو صلة بالقضايا التفاوضية وأخرى ذات شق عسكري، ويقود المفاوضات مع مليشيا حميدتي في منبر جدة اللواء أبوبكر فقيري، وهو مقرب من نائب القائد العام للجيش الفريق أول ركن الكباشي، وكان مديراً لمكتبه وعمل ضمن أعضاء وفد المجلس العسكرى المفاوض مع الحرية والتغيير التي أفضت لاتفاق الشراكة والتوصل للوثيقة الدستورية كما كان عضواً في المحادثات التي انتهت باتفاق جوبا، وبتعيين الفريق الصادق مبعوثا رئاسيا وإمساك اللواء أبوبكر بالمحادثات يكون البرهان قد أحكم قبضته على مسار العملية التفاوضية وحدد بوضوح قنوات التواصل معه التي تعبر عنه، كما تكشف عن إيلاء قضية وقف إطلاق النار وترتيباتها الأمنية وإنهاء التمرد أولوية قصوى، ومع ترتيب الأولويات ينتظر البرهان خطوتين ربما رأى أنهما مهمتين قبل العودة إلى منبر جدة، الأولى مدى التزام الوساطة بشروط قدمها للوزير السعودي والثانية تحقيق انتصار عسكري بدليل أنه قال في آخر خطاب مفتوح له ” نحن دعاة سلام ولكننا لن نذهب لمفاوضات تقلل من هيبة الجيش السوداني”.
تشاؤم وتحذيرات:
وفي آخر تطور قرر الاتحاد الأفريقي، الأربعاء، تفعيل لجنته للتواصل مع البرهان وحميدتي لإعلان وقف فوري لإطلاق النار “دون شروط”. وكان الاتحاد قد شكل لجنة خاصة للسودان بقيادة بن شماس وأخرى بقيادة الرئيس موسفيني للجمع بين البرهان وحميدتي.
ومع كل تلك التحركات والزيارات والمؤتمرات السياسية لا يلوح وقف الحرب في أفق السودان، أكد ذلك رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم ل(الشرق الأوسط) بالقول: “إن التوصل لوقف إطلاق النار في السودان لايزال طويلاً”.
بالمقابل حذر نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي من أن انهيار السودان سيؤدي إلى انهيار كل دول القرن الأفريقي.
وقال عقار في كلمة له أمام ورشة “حول القواعد والمبادئ التوجيهية لحقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب” إن انهيار السودان ستنتج عنه عدة مشكلات عالمية من بينها الجريمة المنظمة وَالتطرف بجانب تهديد الأمن على طول شواطئ البحر الأحمر.
دراسة معطيات :
لقد أدت الحرب لمقتل عشرات الآلاف وتهجير قسري مارسته المليشيا لنحو 10 مليون شخص داخلياً، و2 مليون فروا إلى دول الجوار، كما تسببت في تدمير ممنهج قامت به المليشيا والمرتزقة الأجانب للبنية التحتية الاقتصادية وتهجير القرويين من مساكنهم ومزارعهم، وبحسب وزير المالية جبريل إبراهيم أدت الحرب لتعطل الإنتاج وتراجع الإيرادات الحكومية، ومع ذلك مايزال الجيش ممسكاً بزمام المبادرة على مسارح العمليات المختلفة، فالجيش حتى الآن يحتفظ بقدرته وقوته وفقاً لخبراء عسكريين، وماتزال خطته لدحر التمرد تمضي بفاعلية وعلى نحو سيمكنه من كسب الحرب لا المعارك المحددة، ومع هذا أيضاً فثمة معطيات ربما هناك ضرورة لوضعها في الحسبان للتنبؤ بالخطوة المحتملة في حال فرضية اتخاذ قرار بالعودة للتفاوض أولها القدرة العسكرية والمؤثرات المحيطة بها على ضوء ما أعلن عنه الفريق أول البرهان من جهات تعمل على حرمان السودان من حقه بالحصول على مايحتاج من أسلحة ليتمكن الجيش من القيام بمهامه الوطنية، والثانية القدرة الاقتصادية والاجتماعية على الصمود، فالحرب تحتاج لميزانيات ضخمة وإنفاق مفتوح والثالثة قوة التحالفات والعلاقات الخارجية ومدى نجاعتها في كسب معارك الميدان والدبلوماسية، وهي معطيات ربما كانت أساسية لاتخاذ القرار ووضع الخطة التفاوضية وتحديد الأهداف الاستراتيجية المراد تحقيقها في إطار كسب الحرب عبر التفاوض والأهداف التكتيكية والثانية التي يمكنك التنازل عنها.
بارقة أمل:
يقول المحلل السياسي إبراهيم عثمان ل(الأحداث) إنه يرى بارقة أمل بإمكانية استئناف المفاوضات في جدة وإحداث اختراق حقيقي يمهد لوقف الحرب، ويعتقد عثمان أنه بعد أكثر من عام على الحرب وما تكشف عنها من دمار ومؤامرات يحتاج الجيش والحكومة لإعادة النظر في عدة معطيات لاتخاذ قرار حاسم.