وطنٌ ينهار… وعالمٌ يصمت: أعلام السودان ترتفع في واشنطن

عبدالعزيز يعقوب فلادليفيا
٩ اكتوبر ٢٠٢٥

في قلب العاصمة الأميركية، حيث يقف نُصب لينكولن التذكاري شامخًا كذاكرةٍ حجريّة للحرية ومقاومة العبودية، احتشد أفراد من الجالية السودانية في وقفة احتجاجية حملت وجع البلاد وصوت الذين يُقمعون بصمت.
هناك، عند الدرجات ذاتها التي وقف فوقها مارتن لوثر كينغ منذ ستين عامًا ليعلن حلمه، ارتفعت الأعلام السودانية إلى جانب الأعلام الفلسطينية، في مشهدٍ جمع بين وطنين ينزفان، وجرحين يتشابهان أكثر مما يختلفان.

جاءت الوقفة للتنديد بما أوردته تقارير دولية وحقوقية من دعم إماراتي مالي ولوجستي لمليشيا “الدعم السريع”، ودعم قيل إنه شمل تجنيد مرتزقة من دولٍ في أفريقيا وأخرى من أمريكا اللاتينية.
ومع اتساع الخراب في السودان، بدا الوقوف أمام تمثال لينكولن رسالة صريحة:
حين يعمّ الظلم، يصبح الصمت جريمة.

حضور سوداني متنوع وصوت واحد

تنوّع الحضور كما يتنوّع السودان نفسه: رجالٌ ونساء، شبابٌ وكهول، من ولاياتٍ ومدنٍ متباعدة، حتى بدا المشهد وكأن الوطن قد جاء بترابه وأحزانه إلى واشنطن.
وكانت مشاركة الشباب من الجنسين لافتة، تحمل ملامح جيلٍ لم يعرف السلام طويلاً، لكنه يرفض أن يرث الحرب كقدر أبدي.

فلسطين إلى جانب السودان… وجع واحد وروح واحدة

شاركت شخصيات عربية وافريقية و فلسطينية في الوقفة، رافعةً أعلام فلسطين والسودان جنبًا إلى جنب، في صورة قالت إن الإنسان لا يُقسّم حسب الخرائط، وأن جراح الشعوب تتلاقى حين تُترك بلا عدالة.

حضور سياسي لافت

وشهدت الوقفة حضور محمد سيف الدين، الأميركي ذو الجذور السودانية والمرشح لمقعد في الكونغرس عن ولاية فرجينيا، حيث ألقى كلمة مختصرة أمام المشاركين.
وحان وجوده رسالة واضحة:
القضية السودانية خرجت من الهامش، وصوتها بدأت تتحرك من الشارع إلى دوائر القرار الأميركي.

كما حضرت السيدة جانيت، من ولاية كاليفورنيا، وهي مسؤولة سابقة في الإدارة الأميركية ومن المهتمين بالشأن السوداني، في تأكيدٍ أن المأساة السودانية لا تزال حاضرة في ضمير بعض الدوائر السياسية والحقوقية بالولايات المتحدة.

لسان حال الحضور

قدمت شهادات كانت كلها تنطق وتصف
نساء هربن من نار الحرب، أطفال فُقدوا في الظلام، قرى مُسحت من الخرائط، وجثث تُركت في الشوارع شباب دفنوا احياءً وأسري قتلوا بدم بارد كرسائل رعب للشعب والناس.
لو تكلمت العيون، لقالت أكثر مما تستطيع الخطب أن تقوله.

رسائل إلى واشنطن والعالم

رفع المشاركون لافتات تُطالب بوقف تدفّق السلاح والمال إلى المليشيات، وفرض عقوبات على كل من يثبت تورطه في صناعة الحرب.
طالبوا الأمم المتحدة بحماية المدنيين، وإرسال لجان تحقيق مستقلة، وبوضع نهاية لزمن يفلت فيه الجناة من العقاب.

نشيد يبدأ… ونشيد يختم… ووطن لا يموت

افتُتحت الوقفة بالنشيد الوطني السوداني، فاهتزّت الأصوات كأن الكلمات تعيد بناء وطنٍ مهدّم بالحرب. وحين اختُتم التجمع بالنشيد ذاته، شعر الحضور أن الدائرة اكتملت:
جئنا من المنافي… لنقول إن السودان رغم الجراح حيّ.
من بين أعمدة الرخام الأبيض، خرج صوت السودان إلى العالم قائلا
لا نطلب المستحيل… نطلب العدالة.
لا نطلب الشفقة… نطلب وقف النزيف.
وإن كانت السياسة بطيئة، فإن التاريخ لا يغفر للذين رأوا الدم وساروا مبتسمين

Exit mobile version