وشهد شاهد بعيون زرقاء ؟ أعدموها بعد أن اغتصبوها، تحول البيت الكبير إلى وكر للاغتصاب والإعدام

د. كرار التهامي

كشفت مراسلة القناة الإنجليزية الرابعة لينزي هيلسوم مراسلة الشؤون الخارجية في تقريرها  الذي أعدته من داخل أمدرمان عن وجود مراكز للتعذيب والإعدام لغير المتعاونين مع مليشيات الدعم السريع. ففي جولتها داخل حطام أم درمان الجريحة كانت المراسلة صاحبة الخبرة في تغطية الحروب  تتجول بين أطلال البيوت المنهوبة داخل الأحياء المهجورة حينما دخلت إلى منزل مهجور رغم بهائه ومايبدو عليه من عراقة فرأت ما هالها من وجود أدوات التعذيب والإعدام حيث أقام المتمردون مشنقة  داخل غرفة في ذلك البيت بتركيبة قضيب من الحديد الصلب بين جدارين وربطوا وسطه حبلاً سميكاً جعلوا طرفه المتدلي عقدة متحركة وتم حفر حفرة عميقة  تحت الحبل في وسط الغرفة وعند سحب الغطاء يسقط الشخص المعلقة رقبته في الحبل ويندق عنقه ويموت !!!

◾شاهدت المراسلة العجوز لينز وهي امرأة كبيرة في السن ولها من الخبرات في الحروب ما يشيب من هوله الولدان ولكن حسب قولها لزميلتها روبرت فيسك إنها لم تر خلال كل حياتها المهنية وتغطيتها لفظائع الحروب مثل هذه الفظاعة والجرم وانعدام  الأخلاق، وقالت إنها أوشكت أن تفقد وعيها  عند رؤية ذلك المشهد.

◾ وجدت لينز قوائم معدة للشنق دون معرفة الأسباب ومن بين الأسماء فتيات ويظهر في التسجيل صورة البيت من الداخل تحتوي على بعض الذكريات الحزينة والصور التي تكاد تنطق بما كان يجري حولها من رعب لا يوجد  حتى في أفلام الإثارة الخيالية.

◾وفي مكان آخر لوحة لآية قرانية وقد تأرجحت من جانب وتحطم زجاج الإطار وبقيت بعض الأجزاء الحادة تتساقط مع حركة الهواء الذي يتسرب من النوافذ المفتوحة حاملاً رائحة الجثث المتعفنة والمبعثرة في أزقة أمدرمان الغارقة في الخوف والأوساخ وليالي الجريمة والمخدرات والسرقة والاغتصاب.. أم درمان تاج الثقافة  السودانية والعيش المشترك بين الديانات والإثنيات ومصدر الإلهام الأدبي والشعري.

◾  مقتنيات الأسرة نهبت بالكامل وتبعثرت حتى الأحلام الصغيرة ولعبات الأطفال داستها  الأقدام القذرة، الكتب والمقتنيات الأخرى مبعثرة في الأرض بين ممزق أو ملوث بالدم والغبار.

كان ذلك البيت مسكناً للطمأنينة والمحبة قبل هذا اليوم وكان مكاناً للصلات الحميدة مع الجيران ومكان أُنس أهل الحي ومن المآسي أن يتحول دار العم إبراهيم الرجل الاجتماعي رجل العمل الخيري والاجتماعي وصديق جميع أهل الحي إلى وكر للاغتصاب والإعدام  كأنما الأقدار التي عصفت بالبلاد لم ترحم حتى الطيور في وكناتها ولا الناس الطيبين في البيوت الآمنة.

◾قصة القناة البريطانية لم تكمل صورتها حتى أباح بالنصف الآخر منها أحد المستنفرين مع التمرد وهو صبي يافع لم يتلق نصيباً من التعليم عاش مشرداً في مستنقعات الجريمة بين عصابات المتمردين وينقل لهم الأخبار  بعد أن شاهد ما شاهد في تلك الغرفة يعترف الصبي المستنفر أنه كان يمارس السرقة والنهب قبل الحرب مع مجموعات من عصابات النقرز، تلك العصابات التي استباحت أمن المجتمع قبل الحرب وأطلق عليها البعض اسم (تسعة طويلة). كان سلاحهم في ذلك الوقت مجرد سكين أو ساطور أو مدية صغيرة يحملونها في جيوبهم وكانت أحلامهم صغيرة وقاتلة.

 

◾  يقول الصبي إن آخر جريمة شارك فيها قبل الحرب كانت قتل طالب جامعي بغرض سرقة هاتفه وبسبب مقاومته لهم ورفضه اعطائهم الهاتف الذي اشتراه بعد جهد جهيد وصبر طويل وأعطته والدته الأرملة -وهو وحيدها الذي كانت تنتظره ليؤنس وحشتها ويحميها من الكفاف  –  أعطته ماتيسر لكي يشتري ذلك الهاتف الذي  تسبب في فقدان حياته.

◾يقول الصبي إنه لم يشترك في قتل الطالب إنه كان فقط يعطي المعلومات الاستطلاعية (يكشِّف) لعصابات  (التسعة طويلة) وأنه اختلف معهم في نصيبه من بيع الهاتف حيث احتقروه وضربوه وأنهم لم يكونوا يكسبون كثيراً من السرقات التي كانت تقوم بها عصابات (النغرز) وتسعة طويلة لكنه بعد الحرب وجد ضالته في المشاركة في الحرب مع مستنفري  الدعم السريع وأن كل أخوانه من (تسعة طويلة) و(النيغرز) وهم يعدون بمئات الآلاف قد استنفرهم الدعم السريع. وهذه مأساة المدينة التي احتضنت هذه الأفاعي في أوكارها وأزقتها الخلفية.

يقول المثل الدارفوري

“البلد الدبيب يكربه في صلبه” ويقابله ذات المعنى المثل من الوسط الذي يقول “البلد المحن لابد يلولي عيالن”.

◾ هكذا أنجبت المدينة محنها وأفاعيها دون ترتيب أو إدارة سليمة للمشردين والفاقد التعليمي والعطالى والهاربين من مواطنهم تحت ضغط الحاجة والفقر وتركتهم دون غطاء تربوي أو أمني لينقضوا عليها ويحرقوا الحرث والنسل ويرتكبوا أفظع الجرائم في تاريخ السودان منذ تاسيسه.

 

◾ كان ذلك حديث الصبي المستنفر لقريبه الذي استضافه في أحد كنابي الجزيرة وأعترف الصبي أنه انضم للتمرد مقابل ما تكسب يداه من تلصص وسرقة  (شفشفة) واختطاف القاصرات اللائي كانت تصر قيادات المتمردين على جلبهن بحجة تجنيدهن ثم ينتهي الأمر إلى الاغتصاب والإعدام. كان مطلوباً منه في مرحلة أن يتصيد البنات القاصرات ويعود بهن مكرهات أو بإغرائهن بالمال إلى داخل ذلك المنزل بغرض التجنيد ولم يكن يظن أن يصل هؤلاء المجرمون مرحلة من الجنون فينصبوا  مشنقة داخل بيت وأنه عندما دخل الغرفة صدفة شاهد فتاة تتدلى من حبل المشنقة وعندما راه الجنجويدي الذي يحرس الغرفة هدده وقال له سوف نشنقك مثلها فأقسم أنه لن يبوح لأحد وادعى أنه على موعد مع بنتين شقيقتين أعطاهم بعض المال فقال له الجنجويدي والذي ظهر  من لهجته إنه من تشاد إذا لم تحضر ومعك الفتاتان في هذا المساء سوف نشنقك.

 

◾ ذكر الصبي أنه خاف على نفسه وهرب ليلاً إلى قرية في الجزيرة ليعيش مع أحد أبناء قبيلته في أحد الكنابي التي اكتظت بالمجندين مع الدعم السريع والذين تحولوا إلى ثعابين قاتلة غدارة  بعد أن كانوا حمائم وادعة باضت وأفرخت بين سكان الجزيرة في راحة وبراحة وأدب واحترام حتى اكتسبوا الثروات وبنوا العقارات  وامتطوا السيارات لكن كما قال الشاعر أحمد شوقي

يا ويحهم نصبوا مناراً من دم

يوحي إلى جيل الغد البغضاء

 

◾لقد بذر (بعض) هؤلاء بذرة الخيانة والكراهية المسمومة في أرض الجزيرة الخصبة التي نسأل الله أن لا تنبت فيها روح الانتقام والثأر فالسودان أرض السماح والمساكنة والإلفة  والجزيرة الرمز التاريخي لذلك رغم أنف هؤلاء وصفاتهم البهيمية ورغم الجرح الذي انفتح مرة أخرى على يد الجهدية الثانية.

Exit mobile version