رأي

ود مدني.. المدينة التي أعيا النضال بدنها

 

ود مدني: طارق عثمان

لا زالت ود مدني تكابد لتعود للحياة، بعد تحريرها من قبضة مليشيا الدعم السريع المتمردة، وبدأت الروح تدب في أوصالها شيئاً فشيئاً ولكنها بحاجة للكثير من الجهد حتى تتعافى، فالمتمردين دمروا كل شيء فيها، مؤسساتها وأسواقها، أحالوها جميعاً إلى خراب، لا تكاد تجد مؤسسة أو محلاً تجارياً وغيره إلا وطالته يد التخريب، ولسان حالها ما كتبه الخليل وغناه الباشكاتب (مالو أعياه النضال بدني).

مجمل الخدمات في مدينة ود مدني متوقفة بشكل شبه كامل، فلا مياه ولا كهرباء ولا مواصلات.. الحركة ضئيلة في طرقات المدينة التي لا تزال مشاهد الحرب شاخصة أمام العين، والانتشار المكثف للجيش والقوات الأمنية في كل مكان، يشير إلى أنّ عمليات تأمين المدينة لا تزال جارية.

(السوداني) كانت في ود مدني، ونقلت في هذه المساحة بعض المشاهدات من المدينة الخارجة لتوِّها من أسر مليشيا الدعم السريع.

المياه والكهرباء.. جهودٌ للإصلاح

المدينة تعاني من شح في مياه الشرب، فمحطات المياه متوقفة، أوقف المتمردون نبضها، وتعمل فرق فنية لاستعادتها وفقاً لما ذكره لنا الأمين العام لحكومة ولاية الجزيرة مرتضى البيلي، الذي أكد أن العمل في إصلاح محطات المياه أفلح حتى الآن في تغطية حوالي 70% من أحياء المدينة ويجري العمل بشكل مكثف لتغطية جميع أنحاء المدينة بشبكة المياه.

وفيما يلي قطاع الكهرباء وطوال الطريق ما بين منطقة الحريز أقصى نقطة حدودية بين ولايتي الجزيرة والقضارف، يشاهد العابر عمليات إتلاف كبيرة في ابراج الكهرباء الرئيسية، ولكن تؤكد حكومة الولاية أن الأعطال في محولات كهرباء مدينة ود مدني الرئيسية مقدورٌ على معالجتها، وأكد البيلي أن فريقاً متكاملاً من المهندسين والفنيين يبذلون جهوداً مكثفة في سبيل إصلاحها، ولفت إلى أنهم رفعوا الاحتياجات الأساسية للحكومة الاتحادية لتوفيرها، وأضاف: “تم رفع الاحتياجات للحكومة الاتحادية، مشكلة الكهرباء الأساسية تتمثل في زيوت المحولات، وهي في طريقها للولاية”.

الكارو وسيلة المواصلات المتاحة

ومن المشاهد التي لا تُخطئها العين خلال التجوال في مدينة ود مدني اختفاء وسائل المواصلات، فلا تكاد تلمح في طرقات المدينة مركبة متحركة سوى مركبات القوات النظامية، فقد أجبر عدم توفر وسائل الحركة، السكان الذي فضّلوا البقاء في المدينة على اللجوء لوسائل الحركة البدائية، عبر عربات الكارو التي تجرّها الدواب، فهي أصبحت وسيلة المواصلات المتاحة، بعد أن نهب عناصر التمرد المركبات العامة والخاصة، وما لم تطَـله يد النهب من المركبات فهي عطشى بسبب انعدام الوقود، فيما يستغل البعض الدّرّاجات الهوائية للحركة المحدودة داخل المدينة، بل حتى المرضى يتم إسعافهم بواسطة عربات الكارو بعد أن نهب المتمردون كل سيارات الإسعاف العاملة في المستشفيات، وقد شاهدنا أكثر من حالة في طريقها لمراكز العلاج على متن الكارو.

أنقاض الحرب تغطي الأمكنة

لا تزال أنقاض الخراب تغطي الكثير من شوارع المدينة، التي عاثت فيها أيادي قوات التمرد تدميراً، والسيارات (المُشلّعة) على جنبات الشوارع والأرصفة، بعضها أصبحت عبارة عن هياكل حديدية بعد نهب كل ما فيها، والبعض الآخر مدمرة تماماً، هذا بجانب الأثاثات المتلفة المتناثرة في كل مكان، فما لم يصلح للبيع من الأثاث تم تخريبه، لا سيما في المؤسسات الحكومية، التي حُطِّمت أبوابها ونوافذها، بدأت السلطات المحلية في إزالة تلك الأنقاض، وأطلقت حملة نظافة عامة، ولكن قادة عسكريون أكدوا لنا أنّ هناك العمليات التأمينية لا تزال جارية في المدينة، إذ تعمل فرقٌ من سلاح المهندسين على إزالة الألغام والأجسام المُتفجِّرة، وبمجرد الانتهاء من تلك العمليات سوف تنطلق حملات واسعة لإزالة الأنقاض التي خلّفتها القوات المتمردة.

الوضع الصِّحي يتعافى

بدأ التردُّد على مستشفيات مدينة ود مدني في التزايد وفقاً لما أدلى به بعض الأطباء والمرضى، على الرغم من الخراب الذي طال المرافق الصحية ونهب مُحتوياتها من أجهزة وأسرّة وغيرها، فالمستشفى الكبير لا زالت ينقصه الكثير حتى يستأنف خدماته، أما مستشفى النساء والولادة فهو يكابد من أجل توفير المتاح من الخدمة، فقد نهبت المليشيا المتمردة حتى ألواح الطاقة الشمسية التي تغذيه بالكهرباء.

وبحسب إفادة إحدى الطبيبات العاملات يالمشفى، فإنهم اضطروا لإجراء العمليات للحالات الطارئة بضوء الشمس بعد فتح النوافذ، كما أن المستشفى بحاجة ماسة للكثير من المعدات والأدوية.

خراب الأسواق

لا حركة في أسواق ود مدني، والأسواق عبارة عن خرابات تسكنها الأشباح منذ دخول متمردي الدعم السريع للمدينة حيث نهبت جميع المحلات التجارية، فجميع المحال محطمة الأبواب وفارغة من كل محتوياتها، وبعضها هدمت كلياً أو جزئياً، وحتى الصيدليات هُشِّمت أبوابها الزجاجية ورفوفها، وأتلفت عبوات الأدوية داخلها.

ورغم ما أصاب المدينة من خراب يبدو وكأنه ممنهج، إلا أن حركة السكان المتثاقلة في الطرقات تبعث فيها رائحة الحياة وتعيد إليها امل (العمار) مجدداً بعد الدمار الذي ألحقته قوات الدعم السريع بكل مظاهر الحياة في المدينة الأكبر بعد العاصمة الخرطوم.

نقلا عن “السوداني”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى