وداعاً زياد الرحباني

أحلام مستغانمي
أبدع زياد الرحباني دوماً في الجمع بين الأضداد ، لأنّه إبنها ، لذا فاجأنا بنكتته الأخيرة ، نزل من على الخشبة ، و استقلّ آخر مركبة للرحيل ،كما لو كان يستقل البوسطة “من ضيعة حملايا على ضيعة تنورين “!
استبقيناه لوقت إضافي قليل ، بالبكاء و الغناء، بالهتاف والتصفيق ، ، بكلّ هدير البوسطة التي مضت به ، أخبرناه بأننا لن ننساه ..كنا كلّنا ” عَليا” التي عشقها خلال رحلته ، نحن العيون السود ، نحن لبنان الأخضر ، نحن بيروت و نحن الجنوب . نحن ركاب تلك الحافلة المجنونة و أبناء الشعب البهيّ العنيد . . الصبور الموعود .
فهل تدري زياد كم أحبّتك (عليا ) و كم .. نقص منسوب الصدق و الإبداع بعدك . كنت تخاطب قلوبنا فلمَ تركتنا لمطربيّ الجيوب ؟
صاحب السخرية المُبكية أسى ، ما زال يمازحنا، ترك لنا سؤاله القديم نكتة مستقبلية ” بالنسبة لبكرة شو ؟؟” ، فهو سيّد الخيبة التي في أقصاها تلامس السخرية السوداء .
انسحب ونحن مزدحمين بالموت كي لا ننتبه لرحيله، تاركا لنا ضحكاته الموجعة ، و ألحانه المبهجة .
زياد الجميل ، المكابر، المشاكس، الضاحك الباكي ، المترفّع عمّا يلهث خلفه الصغار ، فقد كان الكبير ابن الكبار . إبن عاصي وفيروز ، ورث منهما الشغف و الكبرياء ،كان يملك فكاهة عالية سقفها لبنان . فأحبه اللبنانيون جميعا دون التدقيق في طائفة سخريته ، وجينات حزنه .
فقد كان لسان وجدانهم ، و دمعهم المكابر :
” راح وعطاني عمره… أنا عمره شو بدي فيه؟؟
ما انا العمر اللي عليي مش عارف كفّيه!
زياد الشغوف بالجمال العاري دون تنميق ، كان يأخذ تعابيره من الحياة اليومية ، من سواه بكلمات عادية يصنع تحفة فنّية ؟
” كيفك انتَ أمًالا إنتَ ”
أو ” تُمرؤ عليْ تمرؤ .. ما بتمرؤ ما بتمرؤ مش فارقة معايْ “.
شكرًا لمرورك بنا ، سعيدة أنّ تكون إقامتي في بيروت قد صادفت زمنك، وأننا من دون أن نلتقي ، تقاسمنا هواء لبنان و أشياء لا تدري بها .
لروحك السلام حبيبنا زياد
وداعاً زياد الرحباني



