هل تسبب الفيضان الأخير في انهيار الثروة الحيوانية بالسودان؟

بالتزامن مع موجات الفيضانات التي ضربت مناطق عديدة بالسودان في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، جراء ارتفاع منسوب نهر النيل ورافديه، انتشرت ادعاءات على منصات التواصل الاجتماعي تفيد بأن الفيضان قضى على قطاع الثروة الحيوانية في البلاد.
وترافق ذلك مع انتشار مقاطع فيديو زعم ناشطون أنها توثق انجراف أعداد كبيرة من الأبقار باتجاه مصر، مما أثار جدلا واسعا على المنصات الرقمية، إثر تضرر الثروة الحيوانية التي كانت تتجاوز 138 مليون رأس موزعة على مختلف الولايات السودانية.
فهل هذه حقيقة أم تهويل إعلامي وقت الكوارث؟ وعلام استند ناشرو هذه المعلومات؟ وهل تسبب الفيضان بهذه السرعة في إضعاف أغنى الدول العربية والأفريقية من حيث ثروته الزراعية والحيوانية والمعدنية؟ وهل فعل الفيضان ما لم تستطع الحرب المستمرة فعله منذ 3 سنوات؟
في هذا التقرير، يكشف فريق “الجزيرة تحقق” السياق الأصلي الفيديوهات التي حققت انتشارا واسعا على مواقع التواصل، وأثارت العديد من المخاوف تجاه واحد من أهم القطاعات الاقتصادية الضخمة في السودان.
أبقار تسبح في الشوارع

وانتشر مقطع فيديو على منصتي “فيسبوك” و”تيك توك” على نطاق واسع، إذ زعم ناشطون عرب أنه يظهر أبقارا غارقة وسط المياه في شوارع السودان جراء الفيضان.
لكن البحث العكسي قادنا إلى نسخة قديمة لنفس المقطع منشورة في أغسطس/آب الماضي، على أنها من فيضانات باكستان، مما يعني أنه غير حديث ولا علاقة له بفيضان النيل في السودان.
انجراف إلى مصر

أما هذا المقطع فهو من بين الأكثر تداولا على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، إذ زعم مصريون أنه يوثق جرف مياه الفيضان عشرات الأبقار من السودان باتجاه الأراضي المصرية، حتى أن بعض الحسابات اعتبرته دليلا واضحا على انهيار الثروة الحيوانية هناك.
وبالبحث، يتبين أن الحقيقة مغايرة تماما، إذ أن الفيديو قديم وله نسخة منشورة على تيك توك في 27 أغسطس/آب 2025، ويعود لآثار الأضرار بسبب ارتفاع منسوب مياه نهر تشيناب في باكستان قبل نحو شهرين، ولا علاقة له بالسودان من قريب أو بعيد.
تماسيح في الشوارع

كما تداول ناشطون مقطع فيديو آخر ادعوا أنه يظهر أعدادا كبيرة من التماسيح إلى جانب الأبقار في شوارع ولايات السودان بسبب الفيضان.
لكن فريق “الجزيرة تحقق” أجرى بحثا موسعا حول الفيديو، في حين كشفت الأدوات المتخصصة في كشف الزيف العميق أن الفيديو أنتج بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يعني أنه مفبرك ولا يعود إلى فيضانات السودان الأخيرة على عكس هذه الادعاءات.
كما توصل الفريق إلى أن الفيديو نشر للمرة الأولى في 26 سبتمبر/أيلول على حساب باكستاني يحمل اسم (Abdul Waheed) على تيك توك دون الادعاء أنه التقط في السودان.
ومن خلال التحليل البصري للمقاطع المنشورة على الحساب، يتبين أنه ينشر فيديوهات مثيرة مشابهة وعادة ما تحصد مئات ملايين المشاهدات.
حقيقة الفيديوهات

ويتبين أن مقاطع الفيديو المتداولة في سياق المادة، بعضها مضلل وقديم، والآخر منتج بالذكاء الاصطناعي، ولا يمكن أن تعتبر دليلا على انهيار قطاع كبير بحجم الثروة الحيوانية في السودان، إذ إن البيانات الرسمية تنفي قطعا صحة هذه الادعاءات.
وذكرت وزارة الثروة الحيوانية في منشور عبر صفحتها الرسمية بفيسبوك، أمس الأربعاء، جاء فيه “ظل قطاع الثروة الحيوانية متماسكا على الرغم من الظروف التي يشهدها السودان (الحرب الدائرة) ولا يزال يساهم في دعم الخزينة القومية من خلال الصادرات والاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء”.
ويعتبر السودان من الدول الأولى في مجال تصدير الثروة الحيوانية، وهو قطاع اقتصادي ضخم، لكنه تعرض لضربة كبيرة بسبب الحرب التي أصابت مناطق الإنتاج وعطلت عمليات التصدير، في ظل تقارير تفيد بأن 4 ملايين رأس من الماشية غادرت البلاد وسط المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ورغم مشاهد الخراب والدمار، تبدو ملامح التماسك حاضرة في قطاع الثروة الحيوانية السوداني، فالتجار يتلمسون طريق العودة إلى السوق، والحكومة تؤكد استعادة تدريجية للقدرة الإنتاجية، وفي بلد يعيش ملايين من سكانه على تربية الماشية وتصديرها، يظل هذا القطاع بالنسبة لهم أكثر من مجرد مصدر دخل، بل ركيزة للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
نقلا عن الجزيرة نت

Exit mobile version