هل انتصرت حماس أم فشلت ؟ وما احتمالات الالتزام بالتنفيذ ..؟

وهج الفكرة
أنس الماحي
( 1 )
اتفاق مرحلي بين إسرائيل وحركة حماس اشتمل على وقف للأعمال العدائية ، وانسحاب إسرائيلي جزئي أو مجدول ، ودخول مساعدات إنسانية واسعة، وتبادل أسرى/معتقلين (إطلاق عشرات الرهائن مقابل مئات أو آلاف من الأسرى الفلسطينيين في مراحل متوالية) وقد قوبل هذا الإعلان بترحيب دولي واسع وحذر في آنٍ واحد.
(2 )
فماذا يتضمن الاتفاق عملياً ؟ وهل يحقق الاتفاق أهداف حماس؟ وما هي ردود الفعل الدولية؟ وما هي احتمالات التزام إسرائيل بالتنفيذ أو استغلاله لإعادة القتال لاحقاً ؟ ..المرحلة الأولى من الاتفاق كما أُعلن تتضمن وقف لإطلاق النار في غزة ومغادرة القوات الإسرائيلية مناطق محددة داخل القطاع وإدخال مساعدات إنسانية واسعة النطاق وتبادل فوري لدفعة من الأسرى/المعتقلين (إطلاق عدد من الرهائن الأحياء مقابل إطلاق سراح مئات/آلاف من الفلسطينيين) يتبعه تسليم رفات ومزيد من الإفراجات لاحقاً.
( 3 )
أما باقى المراحل والتفاصيل الزمنية والآليات الدقيقة (خط الانسحاب، آليات المراقبة، ضمانات التنفيذ) لا تزال تخضع لتنسيق الوسطاء. وهو ما يثير الشك فى تنفيذ اسرائيل للأتفاق بعد استلامها الاسرائيلين المحتجزين لدى حماس.
ولكن هل يمكن القول إن حماس قد “حققت أهدافها”؟ .. فى قراءة مركبة عن هذا التساؤل لا يمكن الإجابة بنعم/لا قاطعة؛ لأن المعيار هنا متعدد الأبعاد (عسكري، إنساني، سياسي، رمزي)، فمن المنظور العسكري حماس لم تنهزم بمعنى القضاء على قدراتها؛ الاتفاق يقرّ بفترة وقف قتالي وسحب قوات إسرائيلية من أجزاء من غزة، وهو مطلب عملي حققته الحركة على الأقل جزئياً.
( 4 )
لكن الحركة دفعت ثمناً باهظاً على الأرض دمار واسع وخسائر بشرية هائلة. الأرقام الرسمية من جوانب متعددة تُشير إلى عشرات الآلاف من القتلى والدمار الكبير (التقديرات تقارب الـ 66–67 ألف قتيل فلسطيني وفق مصادر متعددة) وهذا يضع سؤالاً جوهرياً هل مكاسب وقف النار تبرر الخسائر الميدانية والإنسانية ..؟
( 5 )
من المنظور الإنساني والرمزي فان إنجاز إدخال مساعدات وإنهاء حلقة العنف يعطي حماس إنجازاً سياسياً ورمزياً — قدرة على فرض تفاوض وإبرام صفقة تبادل، وهذا يعزّز صورتها داخلياً وخارجياً كقوة قادرة على الضغط. بالمقابل، الخسائر البشرية والمادية المدمّرة تُضعف شرعية أي “انتصار” طويل الأمد من ناحية القدرة على حكم أو إعادة إعمار غزة دون دعم خارجي هائل اما من المنظور السياسي حماس حققت جزءاً من أهدافها إفراج عن أسرى، وقف مؤقت للأعمال، ونفوذ تفاوضي دولي لكنها لم تحقق (على الأقل في المرحلة الأولى) إنهاءاً دائماً للاحتلال أو ضمان حل سياسي دائم أو اعتراف دولي واسع بدولة فلسطينية ذات أهداف أكبر بكثير من أي صفقة تبادل أولية.
( 6 )
وللخلاصة حماس حققت إنجازات تكتيكية مهمة (تبادل أسرى، تهدئة مؤقتة، إدخال مساعدات)، لكنها دفعت ثمناً استراتيجياً ضخماً. لذلك القول بأنها «حققت أهدافها» يعتمد على تحديد أي أهداف تكتيكية ومؤقتة ربما نعم؛ ولكن أهداف استراتيجية ودائمة على الأرجح لا ولكن ماهي ردود الفعل الدولية في اعقاب ابرام الاتفاق المذكور ..؟؟ .. دول أوروبية ودول إقليمية اعتبرته ممهدًا لوقف المعاناة وفتح قنوات إنسانية ودبلوماسية. أما في داخل إسرائيل المحتلة مواقف متباينة ففي الوقت الذي رحبت فيه عديد القيادات البارزة بالاتفاق نجد عديد من المسؤولين المتشددين (مثل بعض الوزراء) عبروا عن رفض إخلاء السجون أو إطلاق سراح قيادات عدّوها “خطراً”، مهددين بعدم الموافقة أو المماطلة.
( 7 )
ترحيب من وسطاء مثل مصر وقطر وتركيا، ومتابعة أمريكية علنية (إعلان ترامب وتدخّل فريقه)، ما يمنح الاتفاق غطاء وسيطياً دولياً لكنه يضع أيضاً الاتفاق رهينة لإيجاد غطاء حكومي داخلي في تل أبيب فما احتمال التزام إسرائيل بالاتفاق؟ تجارب سابقة تُحذر فالتاريخ يُظهر أن اتفاقات تهدئة وتجارب تبادل الأسرى بين إسرائيل وفصائل فلسطينية غالباً ما تكون هشة، وهناك أمثلة سابقة (اتفاقات جزئية أو هدنة مؤقتة) انتهت بإخلال بالتعهدات من قبل طرف أو آخر، أو عاد القتال لاحقاً بعد فترات هدوء لعدة أسباب (إخلال بالآليات ، اغتيالات، استفزازات ميدانية، أو تدهور سياسي داخلي).
( 8 )
داخل إسرائيل هناك مقاومة سياسية عنيفة لعمليات إطلاق سراح واسعة يُنظر إليها على أنها “تسليم” نشطاء خطيرين؛ هذا يخلق احتمالاً أن الموافقة البرلمانية أو الحكومية على صفقة كبرى تتعرض لعرقلة داخلية، أو تنفّذ بشروط ضيقة أو مؤقتة ،، السؤال الكبير : ما هي السيناريوهات المحتملة ..؟؟ فلنبدأ بسيناريو التفاؤل وهو الالتزام المرحلي من جانب اسرائيل وتنفّذ المرحلة الأولى (إطلاق دفعة من الأسرى والانسحاب الجزئي) تحت ضغط دولي وإعلامي، ما يحقق وقفاً مؤقتاً. وإذا كانت المرحلة الأولى منفذة بكامل شروطها وكانت مصحوبة بعمل دولي ملموس لإدخال مساعدات وإقامة آليات مراقبة وبدء مسار سياسي، فثمّة فرصة حقيقية لتصعيد تدريجي نحو هدنة أطول وربما مساعٍ سياسية لاحقة.
( 9 )
ثم سيناريو الهشاشة وهو استغلال التهدئة ثم تستخدم إسرائيل هذة الهدنة لتسمح لها بإعادة التموضع وتجميع معلومات استخباراتية ثم استعادة القدرة التدميرية ثم استئناف العمليات لاحقاً إذا توافرت ذريعة أو حدث خرق كبير، خصوصاً إن لم تُعالج القضايا الجذرية (الحكم على غزة، أمن الحدود، سلاح الفصائل) فتاريخ النزاع يُظهر أن الطرفين وإن توصلا لاتفاق يبقيان في حالة تهدئة هشّة، إلا إذا وُضعت آليات رقابة دولية مستقرة وبنية إعادة إعمار شاملة والتزامات سياسية أعمق ،، واخيرا سيناريو التصعيد ما إذا كان التنفيذ شكلياً (إطلاق دفعة أسرى مقابل إطلاق دفعة سجناء) من دون ضمانات لوقف الاستيطان أو لإصلاحات بنيوية، فقد تستغل إسرائيل الهدنة لإعادة تقوية قدراتها وعودة المواجهة لاحقاً تحت ذرائع أمنية أو مزاعم خروقات من جانب حماس. تجارب سابقة تُعطي سنداً لهذا الاحتمال.
( 10 )
فى النهاية فإن الرقم المأساوي لضحايا غزة (تفوق الستينات ألفاً بحسب تقارير) ودمار البنية التحتية يجعل من الصعب تسويق أي خطاب نصر، سواء لحماس أو لإسرائيل حتى إن حصلت حماس على مكاسب تكتيكية، فسجل الخسائر والدمار يقلّص من قدرتها على إدارة غزة بعد الحرب ويزيد من الاعتماد على دعم خارجي واسع لإعادة الإعمار ولا نستطيع ان ننكر ان الاتفاق يُعد إنجاز دبلوماسي مهم ويمنح فُرصة لخفض مستوى المعاناة الفورية لأهالى غزة وتحسين إدخال المساعدات وإطلاق أسرى.



