نقد لاغنية “يارحمن” لمجاراة أولاد الماحي

الأحداث – ماجدة
قال عثمان تراث إن البعض عاب قيام أغنية نانسي عجاج الجديدة (يا رحمن) على مجاراة مدحة “التمساح” لأولاد حاج الماحي، واعتبروا أن ذلك ينتقص من أصالة الأغنية، ويُضعف من قيمتها الفنية، أو يقدّمها كعمل قائم على الاقتباس أكثر من الإبداع.
وقال إن هذا الطرح يتجاهل طبيعة الفنون نفسها، ويغفل أن التناص هو جزء أساسي من بناء أي نص أدبي أو وفني، وأنه في بعض تمظهراته ومستوياته، يقوم بتعميق المعنى وتوجيه عملية التلقي من خلال تأسيس العملية الإبداعية على الحوار بين النصوص، ووضع النص الجديد في سياق يمنح ذاكرة المتلقي ووجدانه المتجذر دوراً رئيسياً في التلقي واقتناص دلالات النص ورسالته الفنية.
وأوضح أن أغنية “يا رحمن” ترتكز على تناص واعٍ ومقصود مع مدحة “التمساح”، بدليل أن الأغنية نفسها تبدأ بصوت من المدحة الأصلية التي تمت مجاراتها، في إشارة فنية تكشف بوضوح أن الأغنية مبنية على هذه المدحة بكل ما تحمله من معان وإشارات وظلال روحية.
مدحة أولاد حاج الماحي التي ظهرت قبل أكثر من 150 عاماً تحكي عن تمساح قِيل انه ظهر حينها في بعض قرى شمال السودان حيث أدخل الرعب في نفوس الناس، ومنعهم من الاقتراب من النهر، فوضع حاج الماحي مدحته يتوسل أولياء الله الصالحين ويتضرع لله لوضع حد لذلك الوحش ويريح الناس منه.
في أغنية “يا رحمن”، يتكرر البناء الدرامي والروحي نفسه، ولكن بصورة حديثة وفي مواجهة وحش جديد. لم تكرر نانسي المدحة، بل حاورتها وقدمتها في سياق آخر عبّر عن معاناة السودانيين اليوم في مواجهة الموت والتشرد والجوع والعطش، ورددت دعائهم للخلاص، وتطلعهم إلى السلام والطمأنينة والاستقرار. وبهذه الطريقة صارت الأغنية روحاً ممتدة بين زمنين رغم التباعد بينهما لكن التقارب قائم وماثل في المعاناة وفي ذات الآمال والأحلام .
وقال إن هذا الأسلوب ليس جديداً في الفنون، فكثير من الشعر العربي قام على المجاراة والتحاور بين النصوص، من مرويات الجاهلية إلى تفاعلات المتنبي وأبي تمام. ولدينا في السودان تراث كبير من المجاراة بين الأغاني والمدائح، وبين كل من المدائح والأغاني مع بعضها البعض، وهناك عشرات الأمثلة على توظيف الموروث داخل أعمال حديثة دون أن يمسّ ذلك بسلامة الإبداع (بعض قصائد محمد طه القدال نموذجاً).
وحتى على المستوى العالمي نجد الكثير من الأعمال الموسيقية، بما فيها سيمفونيات خالدة، وأعمال حديثة، مبنية على تيمات أو جُمل وأصوات سابقة.