نسمع ضجيجاً ولا نرى ..

د. إيناس محمد أحمد

يذكر التاريخ أن وزارة الخزانة الأميركية هي من أقدم الوزارات التي تكونت في الحكومة الفيدرالية التي تأسست رسمياً في العام 1789م ، حيث عقد الكونغرس القاري في فيلادلفيا مداولات مطولة حول تمويل حرب الاستقلال ضد بريطانيا العظمي في العام 1775م.
وفي الرابع من مارس 1789م أعلن أول كونغرس للولايات المتحدة الأمريكية في نيويورك بداية الحكم بموجب الدستور الأميركي، وفي 2 سبتمبر 1789م أنشأ الكونغرس وزارة الخزانة باعتبارها مؤسسة دائمة لإدارة الشؤون المالية للحكومة، كما تتولى هذة الوزارة عدة مهام منها فرض العقوبات الاقتصادية علي الأفراد والكيانات عالميا ، مستهدفة بذلك اي أفراد او كيانات تري الولايات المتحدة الأمريكية انها متورطة في انشطة غير قانونية مثل الارهاب او تهريب المخدرات او الترويج لاسلحة الدمار الشامل ، وغالبا يكون فرض العقوبات استجابة للتهديدات الموجهة ضد الأمن القومي او السياسة الخارجية او الاقتصاد الأميركي ، وتفرض العقوبات الاقتصادية بغرض الضغط أو الردع أو الإدانة العلنية لأي جهة تعرض المصالح الأميركية للخطر أو تنتهك الأعراف الدولية.

يشرف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية علي أكثر من 30 برنامج للعقوبات الأميركية، وقبل يومين فرضت الإدارة الحالية (إدارة ترامب) عقوبات على شبكة عابرة للحدود تجند جنودا كولومبيين سابقين وتدرب مقاتلين بينهم أطفال، وهذا مخالف (لاتفاقية حقوق الطفل 1989م) و (برتكولها الاختياري بشأن منع اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة والذي اعتمدته الأمم المتحدة في مايو عام 2000م ، ودخل حيز التنفيذ في 12 فبراير 2002م ) ، للقتال في صفوف المليشيا المتمردة ك (مرتزقة) وهذا أيضا مخالف (للاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد واستخدام وتمويل وتدريب المرتزقة التي اعتمدتها الامم المتحدة في العام 1989م ودخلت حيز التنفيذ في العام 2001م ).

هذة العقوبات تشمل تجميد أي أصول لهم داخل الاختصاص القضائي الأميركي، ومنع الأمريكيين من التعامل معهم وحظر دخولهم للولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن أن يتعرض المخالفون لعقوبات مدنية وجنائية.

وجاء في الحيثيات أن واشنطن رصدت شبكة يتكون معظم عناصرها من مواطنين كولومبيين وشركات كولومبية عملت علي استقطاب مرتزقة لمساندة المليشيا الإرهابية، بعضهم يملك خبرات في تشغيل المسيرات والعمل الميداني وبعضهم جاءوا كمدربين لعناصر المليشيا لتشغيل المسيرات وأجهزة تشويش و أجهزة اتصالات مرتبطة بالأقمار الاصطناعية ، هؤلاء انتشروا في عدة مدن سودانية منها الخرطوم وأم درمان وولايات كردفان الكبرى ودارفور حتى اجتياح الفاشر في 26 اكتوبر 2025م ، بعد حصار قاتل استمر 18 شهراً.

ما ذكره التقرير وثقته من قبل القوات المسلحة حينما وجدت أوراق ثبوتية وجوازت سفر مع جثث لكولمبيين كانوا مقاتلين في صفوف المليشيا، وكذلك ما قدمته الحكومة السودانية كـدلائل علي استعانة المليشيا الإرهابية بمرتزقة مولتهم دولة الإمارات.

الغريب أن الولايات المتحدة بدا وكأنها اكتشفت هذة المعلومات مؤخراً !! والأغرب أنها أصدرت عقوبات على هذه (الشبكة الاجرامية) دون الدولة التي رعتهم ومولتهم واستقدمتهم ، رغم أن منظمة (ذا سينتري) البحثية وهي منظمة أمريكية تهتم بتعقب الفساد والكتابة حوله، أوردت أسماء لمسؤولين إماراتيين لهم علاقة وثيقة بالشركات التي ترسل المرتزقة الكولومبيين للسودان، وذكر تقريرها أن الكولومبيين الذين دخلوا السودان تم تدريبهم في أبوظبي على مسيرات استوردتها أبوظبي لصالح المليشيا وتم نقلهم عبر قاعدة عسكرية تسيطر عليها أبوظبي في بوساسو بإقليم بونتلاند بالصومال، وأن هذه المعلومات نشرت قبل أشهر !!
وعلى كل، أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي !!!.

علي صعيد متصل ذكر وكيل وزارة الخزانة الأميركية المختص بالتعامل مع شؤون الإرهاب، نعم (الإرهاب) أن مليشيا الدعمالسريع “استهدفت و أظهرت مرارا استهدافها للمدنيين بمن فيهم الرضع والأطفال وأن الشبكة المعاقبة ساهمت مباشرة في تمكين هذة المليشيا من ارتكاب فظائع”، وعليه يصبح ما قامت به مليشيا الدعم السريع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فعلاً لا قولاً، فلماذا لم تصنف جماعة إرهابية حتى الآن ؟؟

دبلوماسياً ترى الإدارة الأميركية ان هذة العقوبات محاولة لتعطيل الدعم العسكري الخارجي للمليشيا للحد من نشاطها الإرهابي، لكن الجميع يعرف أن بإمكان الإدارة الأميركية إيقاف من يعمل على تمويل ودعم ومساندة المليشيا الإرهابية مباشرة، لكن للحرب وجوة كثيرة .

وقد يكون الأمر التنفيذي رقم 14098 نص يوقع عقوبات ، لكن تلك العقوبات قد لا تكون كافية أو متناسبة مع حجم الجرائم التي ارتكبت ، و السؤال هنا ما تأثير ذلك على مجريات الحرب في الميدان ؟

وهل ستحدث تلك العقوبات تأثيرات واضحة علي أرض الواقع أم أنها ستكون خبراً ضمن الأخبار فقط ، (نسمع ضجيجاً ولا نرى طحيناً)، وهل ستكتفي الإدارة الأميركية بهذة العقوبات فقط أم أن لها (برنامجا) خاصا تسير عليه، الأيام القادمة قد تحمل الكثير لكنه قد لا يكون مثيراً.

Exit mobile version