نسج التحالفات الخارجية الجديدة (2-2)

فيما أرى

عادل الباز

 

1

في الحلقة السابقة رأينا كيف كشفت تحركات الدبلوماسية السودانية الأخيرة عن توجهات جديدة للسياسة الخارجية في السودان لم تكتمل ملامحها ولكنها تبعث بكثير من الإشارات التي تشيء من خلال تتبعها إن السودان مقبل على انعطافة كبرى في علاقاته الخارجية. الآن لماذا يبحث السودان عن تحالفاته خارج نطاق حيزها الجغرافي الحيوي؟.

 

2

سعى السودان لتأمين علاقاته القديمة مع تركيا. ومعلوم أن لتركيا علاقات قديمة مع السودان (ويعود تاريخ العلاقات السودانية التركية للعام 1555م عندما دخل السودان تحت السيادة العثمانية حين أنشأ العثمانيون ما يعرف بـ إيالة (محافظة) الحبش على جزء من شرق السودان وجزء من دولة إريتريا الحالية وكانت عاصمة تلك المحافظة مدينة سواكن. أما وسط وجنوب السودان فقد بدأت علاقتهما بالأتراك في العام 1821م، عند غزو محمد علي باشا للسودان، واستمرار دولته في حكم البلاد حتى سقوطها على أيدي ثوار المهدية عام 1885م.)

في العصر الحديث تأرجحت العلاقات السياسية كثيراً بين السودان وتركيا واتخذت موقفاً ثابتاً وداعماً للسودان خلال ثلاثين عاماً هو عمر نظام الإنقاذ بقيادة الرئيس السابق عمر البشير. الثابت عبر كل الأنظمة أن علاقات تركيا التجارية مع السودان لم تنقطع وفي تطور مستمر فمن ٤٥٠ مليون في العام ٢٠٢٠ إلى قرابة المليار في العام الماضي.

بدأت خطى العلاقات التركية السودانية تتسارع منذ خواتيم العام الماضي في أعقاب زيارة الرئيس السوداني عبدالفتاح البرهان إلى تركيا التي تمت في 13 سبتمبر 2023، ولم تكشف الدوائر المعنية عن الأجندة الحقيقية خلف الزيارة إلا أن التسريبات أشارت لدعوة تقدم بها الرئيس البرهان لتركيا للتوسط في النزاع السوداني، وقد رحب الرئيس أردوغان بالفكرة إلا أنه لم يحدث أي تطور لتقديم مبادرة لحل الأزمة السودانية أو جمع أطرافها. إلا أن تركيا أعلنت بوضوح دعمها للجيش السودان الذي تعترف به كممثل شرعي للسودان. وفي ظل الاعتراف وضع السودان على طاولة الحكومة التركية طلبات محددة بشأن التعامل التجاري وخاصة في مجال الذهب إضافة لطلب معدات وطائرات مسيرة للمساعدة في مجهوداته الحربية. إلا أن تلك الطلبات لم تظهر نتائجها حتى الآن. تلك الجهود والزيارات المتصلة لوفود سودانية مختلفة سياسية واقتصادية علاوة على تصاعد حركة الواردات التركية للسودان في الفترة الأخيرة جعل نسج تحالف قوي ضروري لمصالح الطرفين وخاصة أن لتركيا مصالح استراتيجية سواء تلك المرتبطة بالسودان أو بحضورها المتنامي في القارة الأفريقية، وكجزء من أهداف تركيا من تطوير علاقاتها مع السودان، يكون السودان بوابتها الرئيسة في أفريقيا.

في طريق نسج تحالفاته الجديدة اتجهت الدبلوماسية السودانية لاستعادة علاقات السودان مع الجزائر وهي علاقات لها تاريخ قديم ومتنوعة، تشمل السياسة والثقافة والتعاون الاقتصادي. خلال فترة الاستعمار، كانت الجزائر والسودان جزءًا من الحركة العربية والأفريقية الأوسع للتحرر من الاستعمار الأوروبي. الجزائر، التي ناضلت ضد الاستعمار الفرنسي في حرب استقلال طويلة ودموية من 1954 إلى 1962، وجدت دعماً معنوياً وربما مادياً من السودان على الصعيد الاقتصادى إلا أن أرقام التبادل التجارية متواضعة دائماً وعبر سنوات لم تتجاوز المائة مليون دولار.

جاءت زيارة الرئيس البرهان للجزائر في ٦ فبراير الماضي تطوراً مهماً في العلاقات بين البلدين بعد انقطاع دام سنوات وكان الرئيس البرهان التقى خلالها بالرئيس الجزائري تبون والتي جرى فيها بحث العلاقات الثنائية وسبل تطويرها ولكن بدا الموقف الموحد للبلدين من التدخلات الخارجية في شؤون بلديهما هو الملمح الأبرز في الزيارة وهو ما وحدهما وأشار الرئيس تبون في كلمته أمام الرئيس البرهان إلى أن الجزائر تقف من السودان في مواجهة قوى الشر التي لم يسمها.

وكانت تقارير صحفية قد أشارت إلى أن الغرض الحقيقي وراء الزيارة تأسيس حلف جديد يكافح قوى الشر عبر  إفشال مخططاتها في البلدين علاوة على استكشاف إمكانية تزويد الجزائر السودان ببعض الأسلحة التي يفتقدها الجيش السوداني إضافة لطلب قطع غيار لطائرات السوخوي التي يملك السودان عدد منها وهي تلعب الآن دوراً كبيراً في مكافحة التمرد في المعارك الدائرة بالأقاليم البعيدة عن العاصمة الخرطوم.

إذا استطاع السودان نسج تحالفاته الجديدة مع المحاور التي ذكرنا أعلاه فإن المشهد السوداني السياسي  والعسكري بالداخل سيشهدان تغييراً حاسماً لصالح الدولة السودانية والجيش وبالتالي سيكون ذلك مؤثراً في مواقف الإقليمين الأفريقي والعربي وله تأثير كبير في المفاوضات المقبلة في منبر جدة.

وتشكيل حلف خارج الجيوبولتيك وخارج منظومة علاقاته القديمة في الإقليمين العربي والأفريقي. الغريبة أنه في قائمة تحالفات السودان الجديدة نرى زهداً في مقاربة الصين وروسيا وماليزيا وهي الدول التي ظلت حليفة للنظام السابق وهي التي تتولى الآن الدفاع عن السودان في مجلس الأمن.

Exit mobile version