عبد اللطيف مجتبى يكتب..
ديباجة:
وأنت في طريقك نحو البدايات الجديدة والاختلاف، لا بدّ لك من خيال جامح، وذاكرة حبلى بالمفارقات واللامنطق، بل لا بدّ لك من براءة تحمل جناحيك كفراشة تهوي إلى نارها في محبة ووداعة مفرطة، دون تفكير في المآلات، ذلكم هو زاد الولوج لعوالم الكتابة ومطالع القصيد عند الشاعر جمال حسن سعيد الذي (يرضع من ثدي الأسرار البوح)، في لغة تترسل من عوالم الطفولة وتحقن من معين زاخر بالرؤى الناضجة والثقافة والمعرفة والعرفان والفلسفة فهذا هو الجزء الثاني من التأملات فلنتابع.
اللغة الشعرية ومطالع النص:-
لغة جمال حسن سعيد الشعرية كما يبدو للوهلة الأولى أنه يستخدم ما يعرف في علم اللغة الاجتماعي بالإزدواجية اللغوية، وهي المزج بين مستويين لغويين العامي والفصيح، والتي تبدو جلية في الاستعمالات والمفردات اللغوية في النصوص الشعرية عنده، فلا يكاد يخلو نص من ذلك. والمدهش أن هذا الازدواج يتم في حميمية لا متناهية، لا تكاد تنتبه لهذا التباين الذي يبدو كبيراً أحياناً من حيث اختلاف العصور والبيئات اللغوية؛ كما هو معلوم أن لكل عصر روح وسمات لغوية عامة مستمدة من البيئة وطبيعة الحياة بشكل عام فتجد كلمة شظايا تتجاور مع كلمة مجدَّع وكلمة نفاج وهو الباب بين الجيران هي مفردة قل استعمالها في الحاضر:
طبلُه المَجَدّع شظايا التمنِّي
ما روحها نفاج غربتك
كما تجد استعمال لحروف قلَّ استخدامها في العامية السودانية التي يتوسل به الشاعر إلى الشر كحرف التحقيق :
هذي البنية قد أتت
وهي جملة فصيحة التركيب تتخللها لفظة عامية وهي كلمة البِنية العامية بكسر الباء، بحسب لسان أهل السودان. والتي لا تختلف كثيراً عن تلك المضمومة الباء الفصيحة مما يشير إلى أنه تجاور استعمالات لا مجرد تجاور مفردات لغوية
كذلك:
ولو قلبك اتهجس خف
ما تخاف من ظلك الشح
ما أصلو مداين الحزن
فصيحة وقح
نلاحظ استخدام كلمة قح بكل سلاسة دون أي اعتساف.
كما أنها تستخدم مستوىً لغوياً من حيث المفردات والتراكيب يحيل – بدرجة كبيرة – إلى فئة عمرية من المتحدثين بها، وهي فئة الأطفال تحديداً، فلغته تجدها مشرَّبة بتلك الروح في بساطتها وتعابيرها العفوية والملغزة في الوقت ذاته:
أنا مالي بقيت إتنين؟
واحد ضدي
والتاني معاي !
واحد بي هناك
واحد بي جاي !
تكاد تلمح عالم الصبا في روح النص من ألعاب وتنافس بريء ولهو، على الرغم من عمق الفكرة وسؤال الوجود الذي يعم كل نص يا ضلي على سبيل المثال :
يا ضُلِّي،
المولود منِّي ومن الشمس …
أنا مين يا ضل ؟
مطالع النص
كذلك فإن المُطَّلع على هذه التجربة يكتشف أنها لا تحفل بالعناوين كثيراّ فنصوص جمال لا تكاد تجد لها عناوين أو عتبات ترسم خطأ وهمياً للمتلقي مما يشير إلى ذات البراءة والطفولة التي تحفل بها تجربته الشعرية والتي تشبه إلى حد كبير حقول ملأى باللُّقَى الشعرية – إذا استعرنا لغة الآثاريين- والمفاجآت واللعب اللغوية – كما إذا استصحبنا معنا فيتجنشتاين – والتي تعم سائر التجربة :
– زولة تخشك وتمرقك،
-عادي-
– شرشرت تيبان السكات
على أرض رويانة وخريف..
– تعالي معاي نلعب بكرويات الدم
– يا معاي يلا ألفِتي انتباهي
– اتهمتك بالعدم أو بالتناهي
– بل عرفتك وانتي ماهي
وكذلك :
– تعرفي ؟
يا مافي ومالية الفجة..
– أشحن أوهامك في حقيبة
يتبع
ديوان أظنك عرفتي للشاعر جمال حسن سعيد